للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أولاً: إن ظنية السنة إصطلاح خاص بعلماء الحديث، والذي دعاهم إلى القول به هو شدة التحري والورع كما تقدم، وإبراء الذمة أمام الله بتفويض الأمر إليه تأدباً معه - عز وجل -.

ولموقفهم هذا نظير في سلوك الأنبياء والرسل - صلى الله عليهم وسلم -. فتعال نقرأ ما حكاه الله - عز وجل - عن شيخ الأنبياء إبراهيم عليه السلام، وهو يحاور قومه في عقيدة التوحيد ودحض عقيدة الشرك والوثنية:

{وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ} [الأنعام: ٨٠] .

تأمل قول إبراهيم عليه السلام:

{وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا} كيف أسلم قيادة لله، وأنه لا يخاف أصنامهم إلا أن يشاء الله شيئاً. والله لا يشاء الإشراك به للرسل الذين أرسلهم ليدعوا الناس إلى توحيد الله والإيمان به، والرجاء والخوف منه وحده.

فكيف استثنى عليه السلام من إعلانه عدم الخوف من أصنامهم ما يوهم في النفس أنه سيخافها إذا شاء ذلك الله - عز وجل -؟

نقول: ليس لقول إبراهيم هذا محمل إلا تفويض الأمر كله لله وإعلان كماله المطلق جل شأنه.

وهذا نظير موقف علماء الحديث، الذين يخافوتن الله فبعد أن أدوا أقصى ما عليهم في تمحيص الحديث، لم يجعلوا هذا هو نهاية الأمر في الظاهر والباطن فأحكموا هم "الظاهر" وفوضوا الأمر لله في "الباطن" الذي لا يعلمه إلا هو. طلباً منهم للحق من كل وجه، واحتياطاً مما عسى أن يكون غاب عنهم من دقائق الأمور وخفاياها.

* ومثل هذا السلوك، الذي سلكه إبراهيم عليه السلام سلك نبي الله شعيب عليه السلام، فقد حكى عنه الله - عز وجل - قوله لقومه حين دعوه في الدخول في عقيدتهم الوثنية:

<<  <   >  >>