للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولن تستطيع الأمة أن تحدد لها مواقف خاصة بها، إلا بعد وعي وبصر بحقائق الأمور، لتعرف متى تقول "لا" ومتى تقول "نعم".

والفرد مثل الأمة في هذا الميدان، أما أن يكون كالريشة، تعبث بها الرياح كيف تشاء، أو يكون كالجبل الأصم، لا تنال منه عوامل المحور والقرض والتعرية.

فقل لي بربك: هل هذا التوجيه النبوي السديد، وهل هذه التربية الراشدة لم تكن صالحة إلا في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -، أم هي صالحة لكل الأزمنة، ولكل الأمكنة مهما تباعدت عن زمن النبوة وموطنها الأول.

إن أمتنا الآن انتابتها حالة مفزعة من الضياع، حين صارتى "إمَّعة" لا موقف لها ولا رأي، حتى في الأمور التر تراد بها هي نفسها. وقد قوَّى ضعفُها من تبعيتها المهينة لمن لا يرعى فينا عهداً ولا موثقاً.

ومثل آخر، هو قوله - صلى الله عليه وسلم -:

"أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس" رواه ابن أبي الدنيا والأصبهاني هذا الحديث من جوامع الكلم كما ترى، وقد أورده النبي - صلى الله عليه وسلم - في صدر حديث جواباً عن سؤال وُجَّه إليه، ولم نذكر بفيته اختصاراً.

وهو - كما ترى - تفجير لطاقات الخير الكامنة في أهل المرءوة والفضل من الناس. وحين يتمكن هذا التوجيه في القلوب تصبح الحياة ساحة للتنافس في صنع الخير، ليكون صانع الخير مع الناس أحب عباد الله إلى الله، وفي شيوع الخير في المجتمع محو للشرور والأنانية البغيضةن التي تولد الضغائن بين الناس، حتى يصبح كل إنسان حرباً على الآخر، ويزول كل طعم جميل للحياة، ونسأل منكري السنة هذا السؤال ونتركه بلا جواب، لأنه معروف.

هل هذا الحديث أصبح الآن "عملة زائفة"، أو هو روح فياضة بالتراحم والتآلف؟.

* * *

<<  <   >  >>