وحتى لو كان المراد من الكتاب فيها القرآن فلا دليل لهم في الآية على أن القرآن يغنى عن السنة، لأن القرآن لم يفصل إلا قليلاً من الأحكام - كما سيأتي - ويكون معنى احتوائه على كل شيء:
الدلالات "الكلية" على أصول التشريع، لا أنه فصَّل جميع الأحكام في كل مجالات الحياة تفصيلاً شاملاً لكل ما يقع للناس في الحياة. ومن يدعى ذلك فهو أحمق جاهل، أو عنيد مكابر لا يستحق شرف المخاطبة هذا ما يتصل بخطأ استدلالهم بالآية الأولى {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} .
أما خطأهم في الاستدلال بالآية الثانية {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} فبيانه يتوقف على ذكر الآية التي قبل هذه الآية، وهي قوله - عز وجل -:
القرآن يحكي - هنا - قول المشركين، الذين يتساءلون في ما بينهم ويقولون لو أن الله أنزل على محمد آيات من عنده.
قالوا هذا الكلام، وكان قد نزل على قدر عظيم من القرآن سوراً وآيات، وأسمعهم النبي هذا القرآن، وكرره على مسامعهم مرات، وراعهم بيانه، وأعجزتهم بلاغته، وهم قد وصفوه بالسحر في شدة تأثيره على القلوب والعقول والمشاعر.
ووصفوه بالشعر، وللشعر في دولتهم دولة، وفي حياتهم حياة. وهو صناعتهم التي عرفوا بهان ولم تكن لهم صناعة غيرها لقد جردوا القرآن من دلالاته "الاعجازية" وهم بها مقرون واعتبروه كأن لم يكن، واعتبروا محمداً - صلى الله عليه وسلم -، رسولاً أو مدعى رسالة بلا معجزات؟!