للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا ما يسمى بالبدائة العقلية، أو الضرورات العقلية مثل ما تقدم الوالد على ابنه في الوجود الزمني، وكون الجزء أصغر من الكل، والواحد نصف الاثنين، واليوم واسطة بين أمس وغد، وامتناع اجتماع النقيضين وارتفاعهما من المحل كالموت والحياة، والوجود والعدم، فلا يكون إنسان ما، أو اي كائن مما تحله الحياة، لا يكون حياً ميتاً في آن واحد، ولا يكون لا حياً ولا ميتاً في آن واحد.

ومثل اجتماع الضدين فلا يكون الشيء أبيض وأسود في آن واحد.

ومقل أن الشيء غير نفسه، وأن يكون أمس هو اليوم أو غداً.

هذه الصور كلها، وغيرها كثير، يمنع العقل حدوثها منعاً قاطعاً في جميع الأزمان والأكوان.

وبناء على ما تقدم نقول بكل حزم وإصرار:

أن الحديث النبوي لم يرد فيه مثال واحد يخالف حكم العقل في النوع الثاني، ومن يدعي هذا فعليه أن يأتينا بالدليل ونتحدى منكري السنة مجتمعين ومفترقين أن يجدوا في السنة ما يدل على هذه المخالفة لأنه مستحيل، والمستحيل لا تتعلق به إرادة ولا قدرة. فهو - كاسمه - مستحيل أبداً أما النوع الأول، وهو تخلف السبب أو لعلة مع وجود المسبب فإن السنة تتفوق فيه على العقل، ولا يكون إلا على سبيل المعجزة لنبي، أو الكرامة لولي، أو الاستدراج لشقي.

وما جعل الله هذه المعجزات الخارقة لكل مألوف عقلي أو علمي، إلا ليقهر بها غرور العقل وغرور العلم.

وإلا فماذا يملك العقل من نجاة إبراهيم - عليه السلام - من النار التي أضرمها له أولياء الشيطان ثم ألقوه فيها فلم تمسه بسوء قط وماذا يملك العقل من شأن عصى موسى - عليه السلام - في أوضاعها الثلاثة:

مرة تنقلب ثعباناً يبطل السحر، ومرة ينفلق بها البحر اثنى عشر فلقاً كل فقل كالطود العظيم.

ومرة يضرب بها الحجر فيتدفق منه الماء عيوناً اثنتى عشرة كالفلوق التي حدثت في الضربة الأولى.

<<  <   >  >>