متواتر" وهذان اصطلاحان فنيان لعلماء الحديث، أرادوا بهما ضبط بعض المسائل المتعلقة بشأن الحديث النبوي، وهما مصطلحان طرآ بعد عصر صدر الإسلام، ما في ذلك من ريب على أن هؤلاء العلماء حين قسموا الحديث هذا التقسيم الثنائي لم يحددوا بالضبط نهاية العدد الذي يعتبر به الحديث آحادياً، ولا بداية العدد الذي يعتبر به الحديث متواتراً. فبقى قدر مشترك بعد الحديثين الآحادي والمتواتر.
وقد فهمت من كلام بعض ممنكري الحديث النبوي المعاصرين أنهم يفهمون أن حديث الآحاد هو ما رواه واحد عن واحد من بداية السند إلى نهايته، وهذا غير صحيح فقد يُروى حديث الآحاد عن عشرة في سلسلة السند ومع ذلك يظل حديث آحاد، ما داموا لم يحددوا بداية العدد الذي يكون به الحديث متواتراً.
وقد تقدم أن حديث "من بدَّل دينه فاقتلوه" له ثلاث طرق سمعته من رسو الله - صلى الله عليه وسلم -:
طريق عن عائشة - رضي الله عنها -، وطريق عن ابن عباس - رضي الله عنه -، وطريق عن معاوية بن حيدة - رضي الله عنه -.
وهذا جهل فاضح، إن لم يكن تجاهلاً قادحاً في سلامة النية، ونبل القصد.
أقول: إن تقسيم الحديث النبوي إلى آحاد ومتواتر اصطلاح حادث بعد عصر صدر الإسلام، أما في صدر الإسلام الأول فإن الخلفاء الراشدين الأربعة كانوا يعملون بالحديث النبوي الصحيح، دون التفرقة بين ما كثر سامعوه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما قل سامعوه. إن الشرط الوحيد في قبول الحديث والعمل به هو "الصحة" وما كانوا - رضي الله عنهم - يطلبون امراً زائداً على الصحة ولا يقدح في ذلك أنهم كانوا - أحياناً - يطلبون مع راوي الحديث راوياً آخر قد سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم -، كما سمعه الراوي الأول.