وهذه الأحاديث التي انتقدت في الصحيحين لم يكن نقدها موضع إجماع عند المحدثين، وليس فيها أحاديث موضوعة، وقد أعلن بعض النقاد من علماء الحديث أن هذا النقد بنى على قواعد أو علل ضعيفة غير قادحة في سلامة الحديث كما أن الأحاديث التي انتقدت عند البخاري ليس لها مساس بأصل الكتاب، بل هي من الأحاديث التي ذكرها البخاري على سبيل الاستئناس [ينظر مقدمة ابن حجر لشرح البخاري، فتح البارى (٣٤٦) ]
وأيا كان الأمر فإن نقد علماء الحديث لبعض ما في البخاري ومسلم ليس فيه لمنكري السنة حجة، بل هو حجة عليهم، حيث لم ينظر المحدثون إلى هذين الإمامين الجليلين نظرة تقديس ترفعهما إلى درجة العصمة من الخطأ والسهو، وإنما كملوا بنقدهم لبعض ما في الصحيحين الاتقان الذي يبث في النفوس الاطمئنان إلى سلامة السنة المعتمدة لدى الأمة من التزوير والخلل، وهذا ما يريده منكرو السنة من شغبهم وصياحهم الآن.
ثالثاً: إن بعض هذه الأحاديث التي انتقدت عند البخاري ومسلم كان مرجع النقد فيها إلى عدم التزام شروطهما التي التزماها في الرواية، وهذا لا يعني أن هذه الأحاديث ضعيفة أو مكذوبة، ولم يقل بذلك أحد من علماء الحديث الخبراء بأصول الرواية متناً وسنداً، بل قال بعض هؤلاء النقاد إن ما أخذ على الإمامين معتمد عند الحفاظ ووراد من جهات أخرى.
ومنكرو السنة المعاصرون لا يعلمون من اصول هذا الفن إلا صوراً شائهة، ولو أنهم اطلعوا على بعض أمهات كتب الحديث، مثل "توضيح الأفكار" لظهرت لهم قماءة أنفسهم، وجهلهم بفنون السباحة والغوص في هذا الخضم العميق، الذي لا شواطئ له. ولكن علوم الدين - الآن - اصبحت كلاً مباحاً لكل "من فك الخط" من الأميين الجلهة الذين يتركون ما يعرفون، ويهرفون بما لا يعرفون ويدعون أنهم "تنويريون" مجددون.