سألت - وفقك الله - عن وصية عهد فيها الميت أن يفدي عنه من أسرى أهل الحرب من لا طالب له. فكان ذلك معضلاً وأحببت أن تعلم وجه النظر فيه، وكيف يتوصل إلى تنفيذ هذه الوصية، وهذا باب لا يتوصل إليه إلا بأن يكشف جماعة أهل السبي، الذين قد عرفت بهم أنهم ممن يختلف إلى أرض الحرب.
فإذا اجتمعت جماعتهم وكان منهم من رضيت هديه، ووقع في نفسك أنه يعلم ما شهد به فسموا لكل أقوامًا قد طال زمانهم في الأسر، بسبب فقدان الطالبين عنهم، عملت في تخليص هؤلاء، والله يكسبك ثوابهم، وينفلك الأجر فيهم، من غير أن ينقص ذلك من أجر الموصي، وإن تعذر هذا وعرفت في هذه الثغور من نثق به، عملت على إيصال ذلك إلى من يتولى النظر فيه إن شاء الله.
وفي مسائل القاضي ابن زرب: من طاع بمال أخرجه في فداء قوم معينين، فانطلقوا في جملة من انطلق قبل أن ينفذ المال في فدائهم، سأل القاضي من حضره عن ذلك؛ فقال بعضهم: ينفذه في فكاك غيرهم، كمن أخرج كسوة لمسكين يقف ببابه، فيخرج فيجد المسكين قد ذهب، يستحب له أن يعطي غيره، قال القاضي: ليس مثله ينصرف مال الفداء إلى صاحبه، إنما أخرجه لفداء قوم بأعيانهم، فلما استغنى عن ذلك رجع إليه.
قال القاضي: الدليل على صحة ما قاله القاضي رحمه الله، ما في سماع أصبغ من الجنائز: سمعت ابن القاسم يقول عن مالك، فيمن هلك فلم يكن له كفن، فطلب له في الناس فجمع له عشرون درهمًا، فكفنه رجل من عنده، وبقيت الدراهم فأراد غرماؤه أخذها أو ورثته، قال: ليس لهم ذلك وترد الدراهم إلى أهلها، قاله ابن القاسم، إلا أن يسلموها لورثته وأحب إلى لأصحابها أن يفعلوا.
وفي سماع ابن زيد عن ابن القاسم مثله. ومسألة المسكين في كتاب الصدقة والجامع والعارية لمالك كما تقدم، يعطيه غيره من المساكين، وما أراه عليه بواجب.
أوصى بثلثه في وجوه نصها فنفذت وبقيت منها وإذا نسي الشهود الوجوه التي أوصى بثلثه فيها.
قال القاضي أبو بكر بن زرب: من أوصى بثلثه أن يخرج عنه وينفذ ذلك في وجوه نصها، فنفذت وبقيت بعد ذلك من الثلث بقية، فإن تلك البقية تصرف على المساكين،