قال القاضي أبو بكر بن زرب في مسألة نزلت بقرطبة؛ مسألة تخيير، وهي: رجل قال لزوجه: قد خيرتك فقالت: قد اخترت الطلاق، فقال لها: أواحدة أو اثنتين أو ثلاثًا، فقالت: لم أنو شيئًا؛ فتوقف عنها قوم وأفتى آخرون، وتأملتها وتثبت فيها، فأفتيت لها مثلا في سماع عيسى عن ابن القاسم إذا حلف من عليه حق بالطلاق ولصاحبه ليوفينه إلى أجل يسميه فيحنث فيقول صاحب الحق: أردت البتة إذا أحلفتك وقال الحالف: لم أحلف إلا ونيتي واحدة، فقال ابن القاسم: القول قول صاحب الحق، وروي زونان عن ابن وهب أن القول قول الغريم الذي عليه الحق.
ففي قول ابن القاسم دليل على أن الطلاق هكذا ليس يقع على جميع الطلاق؛ إذ جعل القول قول صاحب الحق، ودل قوله إن صاحب الحق لو قال: أردت واحدة لكان ما قاله. وقول ابن وهب أظهر في التبيين إذ جعل القول قول الحالف باليمين إنه ما أراد إلا واحدة؛ وفي القولتين بيان أن لفظ الطلاق لا يقتضي جميعه لما قاله ابن القاسم بتنوية صاحب الحق، ولما صدق ابن وهب الحالف وبيان ذلك في كتاب الله عز وجل قوله تعالى:(الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان)، فقد عرفنا الله تعالى أن الطلاق واحدة ثم ثانية والتسريح هي الثالثة.
قال القاضي:
هكذا وقعت في كتاب مسائله جمع أبي بكر عبد الرحمن بن محمد التجيي المعروف بابن حربيل ولم يعط فيها جوابًا بينًا في مسألة التخيير التي ذكر نزولها إلا أنها جرت عند أبي عبد الله بن عتاب في موضع سماعنا عليه بجامع قرطبة في أول زيادة الحكم في الجهة الغربية منه يوم الجمعة منسلخ رجب سنة أربعين وأربع ومائة، فقال لنا: سألنا عنها أبو محمد بن الشقاق منذ خمسة وعشرين عامًا في ذلك الموضع وأشار لنا إلى ناحية القبلة مما يلي المغرب فتعاييت له فيها وكان قد أخبرني بها أبو بكر التجيي وقلت له: ما ترى أنت فقال: نزلت واختلف فيها أبو بكر ابن زرب وأبو عمر الأشبيلي فرأى ابن زرب أنها ثلاث، ورأى الأشبيلي أنها واحدة ثم لا تلزم. وكأن أبا عبد الله مرض هذا، أعني جواب الأشبيلي وهكذا كتبتها عنه حينئذ.
والصواب عندي أن تطلق منه بثلاث لأنها فيها خيرت أو في المقام فإذا اختارت