قد تقدم في كتابنا هذا أن الحجر على السفيه ورشده مما ينفرد به القاضي دون غيره من الحكام. وفي المدونة: قال ابن القاسم: المحجور عليه من الأحرار الذي لا يحرز ماله؛ يبذره من السرف والفسق والشراب قد عرف ذلك منه، فهذا يحجر عليه، وأما إذا أحرز ماله وهو فاسق إلا أنه لا يبذره، فإن هذا لا يحجر عليه، وإن كان له مال عند وصي أبيه أخذه منه.
وقال مالك: يحجر على السفيه وإن كان شيخًا. وفي موضع آخر: وإن خضب بالحناء - والمعنى واحد - ما لم يؤنس منه رشده، ولا يجوز له في سفهه بيع ولا شراء ولا هبة ولا صدقة ولا عتق، وما فعل من ذلك كله قبل أن يؤنس منه الرشد مردود، والصبي ما لم يبلغ، والبكر ما لم تعنس كالسفيه الكبير المولى عليه؛ أفعالهم واحدة.
قال محمد: يمين واحد تجزيه يجمع ذلك فيها وهذه بينة في بيان الاختلاف في جمع الدعاوى في اليمين الواحدة.
وفي باب من أحكام الواضحة:
من ادعى دابة أو عبدًا أو ثوبًا بيد رجل أخيه الغائب أو ابنه أو جاره على وجه الحسبة والحسب عليه وكلهم غائب مكن في مثل هذا من إيقاع البينة لهؤلاء كلهم؛ لأنها أشياء ثبوت وتحول، فإذا أتى الغائب وقد كانت قامت له بينة عادلة حلف بالله لما باع ولا وهب ولا خرج ذلك عن يده بوجه حق، فجعل عليه يمينين هنا وهو من قول مطرف وأصبغ، وفي السمألة طول وذكرت منها ههنا ما احتجنا إليه، وفي رسم الرهون من رهون العتيبة نحو هذا في تفريق اليمين.
والذي جرى به العمل جمع الدعاوى في اليمين الواحدة. وكان شيخنا أبو عبد الله ابن عتاب رحمه الله يقول: من وجبت عليه يمين في دعوى وردت عليه يمين أنه لا يجمع ذلك في يمين واحدة ولابد من يمينين مفترقتين. قال: ووقع مثل هذا عند أبي بكر بن ذكوان، أيام نظره في أحكام القضاء، فعقد اليمين من لا يستغرب خطؤه، وجعلها يمينًا واحدة، فلما تأملتها قلت: هذا غير صحيح، وإنما يجب أن يبدأ الحالف باليمين الواحدة، فيقول: بالله الذي لا إله إلا هو، فإذا انقضت قال: وبالله الذي لا إله غلا هو، حتى تنقضي