أعلم أن الصدقة والهبة والنحلة، وجميع ما في هذا المعنى من منحة أو إعمار وشبه ذلك؛ لا يصح عن معطيه في صحته، وشهادة البينة بمعاينتها، ولا يكتفي بإقرارهما بذلك، إلا الأب يفعل ذلك لابنه الصغير، في غير دار سكناه، فإنه يكتفي في ذلك بإشهاده اللهبة والصدقة وشبههما، وأنه تولى اجتياز ذلك لابنه الصغير أو ابنته البكر أو بنيه الصغار الذي في حرجه وولاية نظره من نفسه له أو لها أو لهم، حتى يبلغوا مبلغ القبض لأنفسهم أو لنفسه. وإن كانت هبة لهم دار سكناه فلا يد له من إخلائها ومعاينة البينة لذلك، ونظرهم إليها خالية منه ومن متاعه.
والأصل في الصدقات والنحل وما في من عناها أنها لا تتم إلا بالحيازة: حديث أبي بكر الصديق رضي الله في نحلته عائشة ابنته أم المؤمنين رضي الله عنها؛ إذا قال لها في مرضه الذي توفي منه: يا بنية، والله ما من أحد من الناس أحب إلى عني بعدي منك وإن كنت نحلتك جاد عرين وسقًا من تمر، فلو كنت جددتيه واحتزتيه كان لك وإنما هو اليوم مال الوارث .. الحديث.
وهو مذهب عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومذهب مالك وأصحابه، وبه جرى العمل، ومسائل العطايا مبنية على هذا المعنى، إن شاء الله تعالى، وفي حيازة الأب ما وهبه صار بنيه من العين اختلاف من قول مالك، وكذلك اختلف في أصحابه، وكل ذلك مبسوط في أصول الأمهات، والله ولي الهدي التوفيق.
والوصي فيما يهبه يتيمه الذي في حجره كالأب في ذلك كله، ولابن وهب في مساع يحيى: أن الأم والجدات والأجداد الحاضتين ليتيم في حيازة ما وهبوا له كالأب والوصي، إن كانوا غير أوصياء، وليس الأخوة والأعمام كذلك.
ولابن وهب في آخر سماع زونان في اللقيط: أنه يجوز له الذي هو عنده ما وهبه له، كما لا يجوز ابنه. وقاله سحنون.
وروي ابن غاتم عن مالك في كل من ولي يتيمًا لقرابة أو حسبة، مثله في حيازته له ما تصدق به عليه هو أو غيره وجواز مقاسمته له. قال سحنون: رواية ضعيفة. ولابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون نحو رواية ابن غانم، بزيادة بيان؛ فتأمله.