في كتاب آداب القضاة لمحمد بن عبد الحكم: وإذا حج القاضي فنزل مصر أو غيرها فأتاه قوم من أهل عمله يسألونه أن يسمع بينتهم على رجل في عمله أو كان قد شهد شهود في عمله فأرادوا منه أن يكتب إلى والي العراق أو يشهد على كتابه بذلك إلى والي مكة أو يحكم لهم بحكم قد شهد عنده عليه قبل ذلك فليس له ذلك، لأنه ليس والي ذلك البلد فليس له أن يسمع من بينته فيها ولا ينظر في بينة أحد ولا يشهد عنده أحد إلا في بلده، وإن كان قد شهد عنده قوم في بلده فأراد أن يسأل عنهم حيث هو فذلك له فإما أن يسمع من بينته أو يشهد على كتابه إلى قاض ببلد آخر، أو يشهد على كتاب إلى قاضي مصر، وقد حج قاضي مصر فرجع إليه بمكة وشهد عليه بذلك شهود فلا أرى أن يقبل الشهادة ببلد غير بلده الذي ولي فيها فيما أرى والله أعلم. ألا ترى: أنه لو ولاه الخليفة ببغداد قضاء مصر وأمره بالخروج إليها لم يكن له أن يسمع من بينة أحد في دعوى على من بمصر حتى يصير إليها.
وفي كتاب منهاج القضاة لابن حبيب: وسألت أصبغ عن القاضي يبعثه الإمام إلى بعض الأمصار في شيء نابه من أمر العامة فيأتيه رجل في ذلك المصر ببينة ويسأله أن يسمع منهم ويذكر أن له حقا قبل رجل من أهل عمله وهو غائب بعمله، ويذكر أن شهوده بهذا المصر ويسأله أن يسمع منهم أيجيبه إلى ذلك ولا ترى به بأسًا؟ قال: نعم يسمع من بينته ويرفع شهادتهم ويسأله تعديلهم، وإن شاء سأل قاضي ذلك المصر عنهم فإن أخبره عنهم بعدالة اجتزئ بذلك، لأنهم من أهل عمله، ولو اجتمع الخصمان عنده بذلك المصر فأراد المخاصمة عنده في الشيء الذي يختصمان فيه في بلد ذلك القاضي الغائب عن نظره لم ينظر بينهما لأنهما حين اجتمعا في ذلك المصر قد صار أمرهما إلى قاضيه، ولو كان الحق بعمل ذلك القاضي الغائب عن عمله إلا أن يتراضيا عليه كتراضيهما بقوله من يحكم بينهما، ويلزمهما إن قضى بالحق، وبعض جوانب أصبغ في هذا مخالف لما تقدم عن محمد بن عبد الحكم.
ونزلت من هذا المعنى مسألة سألت عنها ابن عتاب شيخنا وذلك أن القاضي يحتل بغير بلده وقد كان ثبت عنده ببلده حق لرجل فسأله الذي له الحق يخاطب له في موضع احتلاله قاضي موضوع مطلوبة بما كان أثبت عنده ببلده، فقال لي: لا يجوز له ذلك.