مسألة في كراء أرض محبسة لخمسين عامًا على أن يغرسها المكتري فغرسها، ثم قام السنة المكريات لها على غراسها بعد سبعة أعوام أو نحوها من أمد الكراء، وطلبن الكراء، وكان الحبس لم يثبت إلا بإقراراهن به، وامتنع المكتري الغارس من ذلك، وهو أخو أحد فقهاء بطليوس أبي شاكر ابن المعذل، وبها كانت النازلة.
قال القاضي:
فكتب إلي بها أبو شاكر وقاضيها أبو الحسن عامر بن خالص بعد تقدم جوابي على بعض فصولها، فجاوبت أبا شاكر عن ذلك، وكان أنكر الجواب بنقض هذا الكراء.
سيدي قد علمت أن المعول فيما يفتى به مما جرت الأحكام عليه على قول ابن القاسم رحمه الله لا سيما الواقع منه في المدونة، ثم على ما وقع لغيره فيها، هذا الذي سمعناه قديمًا في مجالس شيوخنا الذين تفقهنا عندهم، وعلة ذي ما جرى به القدر من اعتماد الناس في هذا المغرب في تفقههم ومناظرتهم عليها حتى لا أنست نفوسهم إليها وألفت معانيها واستحكمت عندهم صحة أصولها وفروعها، وما سبق إلى النفس ألفته، فعسير عليها الانفصال منه والصدود عنه، هذا مدرك بالعادة صحيح بالخبرة، ولذلك قل ما ترى المتفقة لمالك المقدم لدرس مذهبه إلا مرتبطًا به لا يريم عنه إلى مذهب غيره، وكذلك الحنفي والشافعي وغيرهما رجوعهم عما تعلقوا به من مذاهبهم وقدموه في دراستهم، وتعمهم قليل لا يكاد يوجد إلا في النادر.
وإن كان من أدركنا من شيوخنا الذين كانت الفتيا تدور عليهم بقرطبة - رحمهم الله - ربما امتدوا في الاختيار إلى ما وقع في غيرهما من الواضحة أو سواها، مما يرون من اختلاف أصحاب مالك صحيحًا وأقوى في النظر من غيره، ورمبا فعل ذلك بعضهم ميلاً إلى خلاف من تقدمه من أصحابه، والله يوفق من يشاء.
وإذا كان هذا هكذا فالذي في المدونة في كراء الأرضين منها أن عقد الكراء في أرض المطر يجوز لعشر سنين، ولا ينقد فيها إلا لعام واحد بعد إمكانها للحرث. هذا قول ابن القاسم وروايته عن مالك.
وقال غيره فيها:
لا يجوز أن تكرى إلا لعام واحد قرب الحرث ووقع المطر. قال: وأجازه الرواة ثم لا