سئل الفقيه أبو عبد الله بن عتاب وأنا حاضر سنة ثمان وأربعين وأربع مائة عن الشفيع يطلب الشفعة في الشقص المبيع، فيطلبه المشتري بالأجرة التي أداها عند ابتياعه إياه مع الثمن.
فأفتى: أن ذلك لازم للشفيع مع الثمن. ثم سألت أبا عمر ابن القطان عن ذلك، فقال: يلزمه غرم الأجرة فسألته عن العلة، وهل فيه رواية؟ فلم يأتي بما يعتمد عليه، غير أنه قال: بذلك وصل المشتري إلى الشراء، فيلزم الشفيع غرمه. فقلت له: أرأيت إن كان ادعى من الأجرة أكثر من المعهود بين الناس في تلك الأجرة؟ فكأنه ذهب إلى أنه لا يلزمه جميعها إن كانت كثيرة جدًا. قلت: أرأيت إن طلبه أيضًا بأجرة كاتب وثيقة الشراء، فقال: يلزمه ذلك.
وسألت ابن مالك عن ذلك، فقال نحوه، وقال: أرأيت ما عمر في الشقص المشتري، أليس يلزم الشفيع غرمه؟ قلت: ليس ذلك مثله، ألا ترى أن أجرة السماسرة في المرابحة لا تحسب، ولا يستحب عليها ريح، بخلاف الصبغ وغيره، مما هو في العرض صنعه قائمة، فثبت على قوله في الشفيع، ولم يأت عليه بحجة ولا رواية، وكان الفتوى بذلك جرت به العادة عندهم فيما أظهر لي من اتفاقهم عليهم. والله أعلم.
المشتري يكره الشقص المشتري من دار أو أرض أو حانوت لأعوام ثم يقوم الشفيع بطلبه بالشفعة:
أخبرني أبو محمد الشارقي أنها نزلت بطليطلة، وكان المشتري قد أكره الشقص لعشرة أعوام، ثم قام الشفيع فأفتى فقهاؤهم أبو بكر بن مغيث، وأبو جعفر ابن أرفع رأسه، وغيرهما: أنه ليس له فسخ الكراء، وله الأخذ بشفعته ويبقى المكتري إلى مدته أو إسلام الشفعة، إن شاء كعيب حدث بالمشتري، وذهب هو إلى ذلك.
ومن الدليل لهم: ما في كتاب الشفعة من المختلطة فيمن ابتاع أرضًا فزرعها، ثم استحق رجل بعضها وأخذ بالشفعة باقيها. قيل لابن القاسم: أللمستحق كراء يها؟ قال: أما حقه الذي استحقه فله كراؤه إن جاء، والبذر ثم يخرج إبانه، وأما الذي يأخذ بالشفعة، فلا كراء له فيه؛ لأنه لم تجب له الأرض إلا بعد ما أخذها، وقد زرعها صاحبها قبل ذلك، والحظ الذي استحقه قد كان وجب له قبل الزرع، فله فيه الكراء على ما