وقال ابن القاسم وأشهب: لا يقضي بعلمه ولا بما أقر عنده في مجلس قضائه أو في غيره لا في حد ولا غيره. وكأن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم:((فاقضي له على نحو ما أسثمع عندهما)): إذا شهدا بذلك عندي.
وقال محمد بن إبراهيم بن المواز: وليس بين أصحاب مالك في هذا خلاف علمناه وقال مالك: وأحسن محمد في قوله: ليس بين أصحاب مالك فيه خلاف وصدق.
إنه لوم يعلم قول ابن الماجشون وغيره، ولم ير أيضًا ما قاله أبو إبراهيم وابن العطار ما في سماع أشهب وابن نافع عن مالك في القوم يشهدون عند القاضي ويعدلونه.
قيل لمالك: هل يقول القاضي للذي شهدوا عليه دونها فجرح؟ فقال: إن فيها لتوهينًا للشهادة، ولا أرى ذلك إذا كان عدلاً أو عدل عنده أن يفعل.
فهذا مالك قد أسقط الإعذار ههنا فيمن عدل عنده فيكف به فيمن هو عنده عدل وشهد عنده بما سمعه في مجلسه واستوى فيه علم الهود وعلمه، وإن كان هذه القولة لم يصحبها عمل.
وقال ابن نافع متصلا بها: بل يمكنه من التجريح.
ومثله لابن الماجشون في كتاب ابن حبيب، ولابن القاسم في المدونة، وفي سماع يحيى وقال سحنون في نوازله: وبه جرى العمل. وهو الذي شاهدت القضاء به بإجماع ممن أدركنا من العلماء والحمد لله ولا يجوز العدول عنه إلى سواه.
ورأيت في غير كتاب ابن العطار: إن كتب شهود مجلس القاضي شهاداتهم على مقال مقر أو منكر فيه ولم يشهدوا بها عند القاضي في ذلك المجلس ثم أدوها في المجلس نفسه الذي كان فيه المقال وكذلك لو حفظوها ولم يكتبوها ثم أدوها بعد ذلك إذا طلبوا بها وكانوا عدولاً فإنه يعذر فيها إلى من شهدوا عليه بها.
قال أبو إبراهيم: لا يعذر القاضي فيمن أعذر به على مشهود عليه من امرأة لا تخرج أو مريض لا يخرج لمرضه وشبهه ولا في الشهيدين اللذين يوجههما لحضور حيازة الشهود لما شهدوا فيه من دار أو عقار.
وسألت ابن عتاب عن ذلك فقال: لا إعذار فيمن وجه للإعذار، وأما الموجهان للحيازة فيعذر فيهما.
وقد اختلف في ذلك وسيأتي في آخر الكتاب في مسألة أبي الشر الزنديق لعنه الله