كالتي أنفق الشيوخ عليها قال لنا: وقلت في جوابي: وإن أمكنك الكشف عن أمرها وكتبك إلى جهتها التي سمتها بقصتها كان حسنًا، وربما حقت عندك دعواها.
وكان ابن حفصون المذكورة قد ثار في بر بشير في أيام الأمين منذر بن محمد بن عبدالرحمن بن الحكم، وكانت وفاة المنذر في سنة خمس وسبعين ومائتين، وولي بعده أخوه عبدالله بن محمد، ثم ولي بعدها أخوهما عبدالرحمن بن محمد الناصر لدين الله أمير المؤمنين رضي الله عنهم جميعهم.
ونزلت من هذا المعنى مسألة بقرطبة:
قامت امرأة متملكة عند إبراهيم بن يحيى المعروف بابن السقا تدعي الحرية، وأنها ابنة فلان من سبته، وشهد لها عنده شاهدان على عينها أنهما يعرفانها بسبتة منذ سبعة أعوام أو نحوها تتصرف تصرف الحرائر، زاد أحدهما: أنها حرة، وقال الآخر: وأعرف لزيد الذي ذكرت ابنة إلا أني لا أعلم أهي هذه أم لا؟ وقيل شهادتهما، وأعذر إلى مالكها فلم يكن عنده مدفع وحكم بحريتها وإطلاقها.
وذكر في كتاب حكمة أنه شاور في ذلك أهل العلم فأفتوه بالحكم لها بذلك، وخاطب للمحكوم عليه قاضي طليلطلة أبا زيد بن الحشا ليعديه على بائع امرأة منه إذا كان ساكنًا بها، وثبت عند أبي زيد الخطاب والحكم وأعدى المحكوم عليه على البائع منه وسجل بذلك وكتب السجل، وانتسخ فيه حكم ابن السقا، وسأل المحكوم عليه بطليطلة أن يخاطب له قاضي بطليوس، وقال: إن بائعها منه بها فكتب له إلى قاضيها يومئذ أبي عبدالملك مروان بن محمد، فوصل إليه الكتاب والمكتوب له وقد هلك ابن السقا، فامتنع القاضي من إعدائه وقال: أحكام ابن السقا غير جائزة عندي، وانصرف الطليطلي دون شيء أخبرنا بذلك بطليطلة.
ثم صرت أنا إلى قرطبة وبلغني أن أبا زيد شاور فقهاء طليطلة في أحكام ابن السقا هل هي نافذة أم مردودة؟ فأفتوا أنها جايزة، وخاطب بذلك قاضي بطليوس للمحكوم عليه المذكور فاعترض بعض فقهائنا في شهادة الشهيدين للمرأة عند ابن السقا؛ لأن أحدهما كان شهد أنه يعرفها حرة تتصرف تصرف الحرائر الأمد المذكور. وقال الآخر: أعرفها تتصرف تصرف الحرائر هذه المدة، ولا أعرف أهي ابنة فلان أم لا. فقال أبومحمد بن الخزاز منهم وآخر معه: شهادتهما مختلفة فلا يجوز الحكم بها فكتب قاضي بطليوس