للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والبناء هو الفوت.

قال القاضي: إيجابهم اليمين على الناكح: لقد دفع بعد إشهاد المنكح بالقبض لهم بعد هذا، مثله في البيوع في مسألة ابن عبدوس ومسألة البنا، وهو خلاف لما ذكره ابن حبيب عن مالك في مثل ذلك؛ قال عنه: إذ تشاهد المتبايعان بعد دفع الثمن ثم طلب البائع الثمن، وقال: إنما أشهدت لك بقبضه ثقة بك، وأراد إحلافه لم يكن له ذلك.

وهذا نص لا يجوز خلافه رواية ونظرًا؛ أما الرواية فقد ذكرناها، وأما النظر فإن الله تبارك وتعالى لم يأمر بالإشهاد عند التبايع وغيره إلا لرفع هذا وشبهه من التنازع بين المتبايعين، وقد برأ ذمته مما كانت مشغولة من حقه فلا بسبيل له إلى العودة لشغلها به، ولو سومح في هذا وشبهه لارتفعت الحقائق وانحلت العقود، وذلك الضلال البعيد.

وقال أبو عبيد الله بن العطار في وثائقه: إذا انعقد في عقد التبايع أن الثمن كان طيبًا مقلبًا جيدًا، وأتى البائع بدراهم رديئة يزعم أنها من دراهم المبتاع وأنكرها المبتاع، فلا يمين عليه في ذلك لإقرار البائع بقبضها طيبة جيادًا، ولو سقط هذا الفصل من العقد لوجبت على المبتاع اليمين أنه ما يعرفها من دراهمه ولا أعطاه إلا جيادًا في علمه. هكذا في كتابه وذكر معه نظائر له، وهو الصواب الذي لا يصح خلافه.

والذي حمل الشيوخ على ذلك ما رواه أصبغ عن ابن القاسم فيمن باع سلعة ثم أتى يقتضي الثمن، فقال المشتري: لم أقبض السلعة، وقال البائع: قد قبضتها، قال: إن كان أشهد له بالثمن فقد قبض السلعة وعليه غرم الثمن.

قال أصبغ: ويحلف له البائع إن كان بحرارة البيع والإشهاد، لأن هذا من أفعال الناس، فأما أن يكف حتى إذا حل الأجل قال: لم أكن قبضت السلعة فلا قول له ولا يمين له على البائع.

وليست هذه المسألة كالتي أفتوا باليمين لأن هذه ليس فيها إشهادها بقبض السلعة، ثم قال: لم أقبضها، ولو كان ذلك فيها لكان جوابها جواب مالك في الثمن: إنه ليس عليه بعد الإشهاد يمين، ولما سكتا في مسألة أصبغ عن ذلك السلعة كان محتملاً لبقائهما عند بائعها، وإن كان تشاهدا على ثمنها فأرى اليمين في حرازة البيع والإشهاد.

وأما التي أفتوا فيها فقد أشهد المنكح بقبض النقد من الناكح وأبرأه منه، فلا سبيل له إلى طلبه به ولا إلى تحليفه عليه، كما قال مالك في البيع، والله الموفق للصواب.

<<  <   >  >>