ثم بدا له وسأل الطبيب الأجرة ليردها إليه فأبى من ذلك الطبيب، واحتج الشاكي بأنه الكي لا يجوز.
فأجاب: الكي جائز غير ممنوع منه، وقد كوى النبي (صلى الله عليه وسلم) ابن زرارة، واكتوى ابن عمر من اللغوة، ولا يصح عن النبي (صلى الله عليه وسلم) النهي عنه، وإنما جاء عنه، وقد ذلك العدد الذين يدخلون الجنة من أمته بغير حساب، فقيل له: من هم يا رسول الله؟ قال "هم الذي لا يسترقون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون (١) "وليس هذا بنهي، إنما أخبر أنهم أخذوا أنفسهم بأشد الأمور.
إلا أن الكي الذي سألت عنه لم تذكر عدده، ولا آلته التي بها يكوى، وقد يكوى بحديد مصنوع، وبمنجل الحصاد، وبعود، فإن كان وصفا الكي وعدده وآلته فالأرة لازمة له، وإن كانا أهملا ذلك ولم يصفاه وهو مختلف الهيئة والصفة فذلك غير جائز، ولا يلزم فيه الأجرة، وبالله التوفيق.
اختلاف الطبيب والمداوي في الأجرة:
من أحكام ابن زياد كشفنا القاضي (رضي الله عنه) في امرأتين اختفتا في مداوات صبيتين لإحديهما، فقال صاحبة الصبيتين: عاملتك باثنى عشر درهما، وقالت الطبيبة: بأربعة دنانير ولم تبرأ الصبيتان بعد.
فالذي عندنا في ذلك: أن تحلف الطبيبة بالله في مقطع الحق، لما جعت عمل يدها إلا بأربعة دنانير، ثم تحلف المرأة الثانية: ما عامتها إلا باثنى عشر درهمًا، ثم تفسخ الإجارة فيما بينهما، ولا شيء للطبيبة فيما عملت؛ لأن الطبيب عندنا لا يجب له شيء إلا بعد البرء إذا كانت المعاملة على البرء.
فإن كان الطبيبة أخذت شيئًا؛ ردته، وأيتهما نكلت عن اليمين فالقول قول الحالفة منهما، وإن نكلتا جميعًا انفسخ ما بينهما، وكذلك إن حلفتا جميعًا.
قال القاضي: في هذا الجواب عندي نظر فتدبره.
مسألة في قبالة حصة من أرحاء الحناء بقرطبة:
عقد الفقيه ابن دحون وثيقة قبالة في حصة من أرحاء الحناء على نهر قرطبة، فقال:
(١) الحديث أخرجه البخاري ج ٥، ص ٢١٥٧ برقم ٥٣٧٨، ومسلم ج ١، ص ١٩٨ برقم ٢١٨.