فيه ورثة الذي ادعى أنه وهبه المال المستهلك فيما زعم أنه وجهه له ووضعه فيه: أن إقرار المقر لما ذكره من ذلك لازم له وواجب عليه مأخوذ به، قد أقر بالقبض وأدعى الهبة، فعلى اليد ما أخذت، وفي الذمة وجوب ما أتلف مدعي الهبة، إذ من يصح بأكثر من قوله، ولم يكن لها ثواب ولا رده، والأصل في هذا حديث النبي (صلى الله عليه وسلم) الذي رواه سمرة بن جنب عنه عليه السلام، "على اليد رد ما أخذت (١) "، فالضمان لازم للمقر.
وأما مسألة الشكر فعلى ما ذكره القاضي في كتابه، وهو قول مالك رحمه الله، إذا كان من المقر على جهة الشكر ومعنى الحمد والثناء: أن ذلك ساقط عنه غير واجب عليه، وبه نقول: وليس هذا من معنى ذلك ولا من طريقه، وهذا إقرار ودعوى لا يسقطها إلا طول الزمان وتفاوت الحالات بين الواهب والموهوب له.
قال القاضي:
في كتاب الوديعة في سماع يحيى من قول ابن وهب فيمن أودع رجلاً دنانير، وعهد إليه فيها ألا يدفعها إلا إلى من أتى بأمارة أعلمه بمها لم يطلع عليها غيره، فأتى رجل بتلك الأمارة فدفع إليه المال، ومات المودع رب المال، فقال ورثته لمودع: ما صنعت بمالنا؟ فقال: صنعت به الذي أمرني أبوكم وليس علي أن أخبركم بما أمرني به – أنه يخلف: لقد فعل به الذي أمره به في المال لم يتعده إلى غيره ويبرأ.
قال يحيى: وسألت عنه ابن القاسم فقال مثله، والمعنى أنهم صدقوه في الأمارة، وأن أباهم أمره بذلك، فلذلك حلف أنه فعل ما أمره به وبرئ، وأما لو كذبوه في دعواه كلها وطلبوا مالهم لكان ذلك لهم، وهو نحو الجواب الذي فوق هذا.
ولابن القاسم في المدونة: أن أتى المودع من زعم أن ربها أمره بأخذها، فصدقه ودفعها إليه فضاعت؛ ضمن الدفع، ثم له أخذها من القابض.
وقال أشهب في كتابه: لربها أخذها ممن شاء منها، ثم لا رجوع لمن أخذها منه على الآخر.
(١) الحديث أخرجه ابن الجارود ج ١، ص ٢٥٦ برقم ١٠٢٤، والحاكم في مستدركه ج٢، ص ٥٥٩ برقم ٢٣٠٢، والترمذي ج ٣، ص ٥٦٦ برقم ١٢٦٦، وقال: حسن صحيح، والدرامي ج ٢، ص ٣٤٢ برقم ٢٥٩٦، والبيهقي في الكبرى ج ٦، ص ٩٠ برقم ١١٢٦٢ وأبو داود ج ٣، ص ٢٩٨٦ برقم ٣٥٦١، والنسائي في الكبرى، ج ٣، ص ٤١١ برقم ٥٧٨٣، وابن ماجه ج ٢، ص ٨٠٢ برقم ٢٤٠٠ والإمام أحمد في مسنده ج ٥، ص ٩.