وهذه رواية محتملة التأويل؛ والظاهر منها والصحيح في معناها: أن جواب مالك إنما وقع على قول السائل إن صاحب السوق ينهب أمتعة أصحاب السوق اذا خالفوا أمره، ولا يمتري في فساد هذا الفعل؛ لأن النهبة لا تحل في المباح فكيف في المحظور؟ ولا يحل لمن خولف أمره من حكم أو أمير أن يرسل الأيدي على مال العاصي له.
فصار جواب مالك إنما وقع على هذا الفعل الممنوع منه المنهي عنه، ولم يقع جوابه على إفراغ اللبن المغشوش في الأرض، وإن كان قد كره في رواية ابن القاسم عنه في كتاب شك في طوافه أن يهراق ورأى أن يتصدق به، ولم يكن ليقول لا يحل ذلك ولا يؤدب فاعله؛ لأن ابن القاسم قد حكى في حرف المدونة أن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) كان يطرح اللبن المغشوش في الأرض أدبًا لصاحبه.
ويصير على هذا الترتيب الذي يقتضيه الظاهر أن مالكًا لم يجب في سماع أشهب على طرح اللبن المغشوش في الأرض وأبان في الرواية الأخرى أن المستحسن عنده التصدق به اذ في ذلك عقوبة الغاش بإتلاف عليه وإخراجه عنه ونفع المساكين بإعطائهم إياه، فقال: يهراق ورأى أن يتصدق به على المساكين بغير ثمن اذا كان هو الذي غشه.
قيل لمالك: فالزعفران والمسك أتراه مثله؟ فقال: ما أشبه بذلك اذا كان هو الذي غشه فه كاللبن. قال ابن القاسم: هذا في الشيء الخفيف منه وأما اذا كثر ثمنه فلا أرى ذلك، وعلى صاحبه العقوبة؛ لأنه يذهب في بذلك أموال عظام، يريد في الصدقة بكثيرة.
وذكر ابن حبيب في تاسع بيوع الواضحة قول مالك وابن القاسم بنحو ما تقدم، وقال: قال ابن القاسم: سمعت مالكًا وسئل عمن اشترى زعفرانًا فوجده مغشوشًا أترى أن يرده؟ فقال: نعم يرده، وليس عن هذا سألني صاحب السوق وإنما سألني أنه إن أراد أن يحرقه لما فيه من الغش فنهيته عن ذلك. وسكت مالك عن تفرقته على المساكين. ثم ذلك ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون عن مالك في الذي غش اللبن والمخالفين لأمر صاحب السوق مثل ما قدمنا من سماع أشهب وابن نافع عنه.
قال ابن حبيب فقلت لهما: فما وجه الصواب عندكما فيمن غش أو نقص من الوزن؟ فقالا: الصواب فيه أن يعاقب بالضرب أو السجن أو الإخراج من السوق إن كان بذلك معروفًا، ولا نرى أن ينهب متاعه ولا يحرق إلا ما خف قدره من اللبن اذا شابه