للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المطلب الأول

الانحراف العقدي

ظهرت الانحرافات العقدية في التفسير متزامنةً مع ظهور المذاهب الدّينية المختلفة، ومن ذلك أنهم يعمدون إلى بعض الآيات، فيحملون ما بعدها على أنه بيانٌ لها، وحينًا يقطعون الآية عن لاحقها المرتبط بها بالمعنى، وهم في ذلك كله يتأوّلون الآيات تبعًا لعقائدهم الباطلة، فيطوِّعونها لخدمة مذاهبهم؛ لتكون مستندا لهم في صحة مايدَّعون، ونستعرض في هذا المقام بعضًا من النَّماذج:

النموذج الأول: [نفي الجهمية أن يسمّى الله (شيئا)]

قال تعالى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (١٩)} (١).

نُقل عن جُهم (٢)، ومن تبعه إنكار كونه تعالى (شيئًا) (٣)، حيث قالوا: "لا قدرة لله ولا علم ولا حياة ولا إرادة ولا سمع ولا بصر ولا كلام، فقيل لجهم: أتقول: إن الله شيء؟ ، فقال: لا أقول إنه شيء؛ لأن معنى شيء معنى مُحدث مخلوق، ومعنى مخلوق، معنى شيء" (٤).


(١) سورة الأنعام: ١٩.
(٢) هو جهم بن صفوان، أبو محرز الراسبي مولاهم، السمرقندي الكاتب المتكلم، أس الضلالة ورأس الجهمية، كان صاحب ذكاء وجدال ومراء، ينكر الصفات، ويقول: بخلق القرآن، وبأن الله في الأمكنة كلها، وغير ذلك، توفي سنة ١٢٨ هـ يُنظر: سير أعلام النبلاء (٦/ ٢٠٤)، والوافي بالوفيات، للصفدي (١١/ ١٦٠).
(٣) مفاتيح الغيب (١٢/ ٤٩٧).
(٤) الانتصار في الرد على المعتزلة القدرية الأشرار، لابن سالم العمراني (١/ ٢٤٦)، وللرد عليهم، يُنظر: (ص: ٢٤٦، ٢٤٧)، للاستزادة: يُنظر: الإشارات الإلهية إلى المباحث الأصولية، للطوفي (٢/ ١٤٩، ١٥٠).

<<  <   >  >>