أصلًا، ولو فعل الشّر سبحانه لاشتُق له منه اسم، ولم تكن أسماؤه كلها حسنى، ولعاد إليه منه حكم، تعالى ربنا وتقدس عن ذلك.
وما يفعله من العدل بعباده، وعقوبة من يستحق العقوبة منهم، هو خيرٌ محض، إذ هو محض العدل والحكمة، وإنما يكون شرًا بالنسبة إليهم، فالشّر وقع في تعلّقه بهم وقيامه بهم، لا في فعله القائم به تعالى.
ونحن لا ننكر أن الشّر يكون في مفعولاته المنفصلة فإنه خالق الخير والشر ولكن هنا أمران ينبغي أن يكونا منك على بال:
أحدهما: أن ما هو شرٌ، أو متضمنٌ للشر، فإنه لا يكون إلا مفعولًا منفصلًا لا يكون وصفًا له، ولا فعلًا من أفعاله.
الثاني: أن كونه شرٌ هو أمر نسبيٌّ إضافي، فهو خيرٌ من جهة تعلق فعل الرّب وتكوينه به، وشرٌّ من جهة نسبته إلى من هو شرٌّ في حقه، فله وجهان هو من أحدهما خير، وهو الوجه الذي نُسب منه إلى الخالق - ̧- خلقًا وتكوينًا ومشيئة، لما فيه من الحكمة البالغة التي استأثر بعلمها، وأَطلع من شاء من خلقه على ما شاء منها، وأكثر الناس تضيق عقولهم عن مبادئ معرفتها فضلًا عن حقيقتها، فيكفيهم الإيمان المجمل بأن الله سبحانه هو الغنيّ الحميد، وفاعل الشّر لا يفعله إلا لحاجته المنافية لغناه، أو لنقصه وعيبه المنافي لحمده، فيستحيل صدور الشّر من الغنيّ الحميد فعلا ... " (١).