للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن تيمية: "ويجوز باتفاق المسلمين أن تفسَّر إحدى الآيتين بظاهر الأخرى ويُصرف الكلام عن ظاهره؛ إذ لا محذور في ذلك عند أحدٍ من أهل السنة وإن سمي تأويلًا وصرفًا عن الظّاهر؛ فذلك لدلالة القرآن عليه ولموافقة السُّنّة والسلف عليه؛ لأنه تفسير القرآن بالقرآن؛ ليس تفسيرًا له بالرأي، والمحذور إنَّما هو صرف القرآن عن فحواه بغير دلالةٍ من الله ورسوله والسابقين " (١).

"وقد أجمع جميع المسلمين على أن العمل بالظَّاهر واجب حتى يرِد دليلٌ شرعيٌ صارفٌ عنه إلى المحتمَل المرجوح، وعلى هذا كل من تكلم في الأصول" (٢).

ومن ذلك قوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (٣٤)} (٣).

قال الشنقيطي: " قد يتوهم غير العارف من مفهوم مخالفة (٤) هذه الآية الكريمة، أعني مفهوم الغاية في قوله: {حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ}، أنه إذا بلغ أشده، فلا مانع من قربان ماله بغير التي هي أحسن، وليس ذلك مرادًا بالآية، بل الغاية ببلوغ الأشد يراد بها: أنه إن بلغ أشده يدفع إليه ماله، إن أُونس منه الرشد، كما بيّنه تعالى بقوله: {حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ .. } (٥) " (٦). فصُرفت الآية عن ظاهرها بدليل من القرآن الكريم.


(١) مجموع الفتاوى (٦/ ٢١).
(٢) أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، ط: دار الفكر (٧/ ٢٦٩).
(٣) سورة الإسراء: ٣٤.
(٤) مفهوم المخالفة: "هو إثبات نقيض حكم المنطوق للمسكوت ويسمى دليل الخطاب". البحر المحيط في أصول الفقه (٥/ ١٣٢).
(٥) سورة النساء: ٦.
(٦) أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، ط: دار الفكر (١/ ٥٤٥).

<<  <   >  >>