للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والحديثان ذكر فيهما كثيرٌ من الأقوال، وأعمال الجوارح.

فهذه النصوص تدل بمجموعها على أن الإيمان عند ذكره غير مقرون بذكر الإسلام يشمل الدين كله، فيشمل كل طاعة، سواء كانت من أعمال القلوب أو من أعمال اللسان، أو من أعمال الجوارح، بل ويشمل ترك المحرم والمكروه إذا قصد به وجه الله تعالى، وتسمى هذه الأعمال "شعب الإيمان"، كما في حديث أبي هريرة السابق.

والإيمان بهذا الإطلاق "قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالجوارح"، فهو قول ونية وعمل، والعمل ركن في الإيمان لا يصح الإيمان إلا به، وهذا كله مجمع عليه بين أهل السنة والجماعة، فمن ترك العمل بجميع ما أوجبه الله تعالى، فقد خرج من الإيمان بالكلية، وأصبح من عداد الكافرين بالإجماع.

وعليه فإن من ذهب إلى أن العمل ليس بركن في الإيمان، وإنما هو من كماله الواجب أو المستحب قد أخطأ في ذلك خطئًا بينًا، وخالف ما دلت عليه النصوص الشرعية وما أجمع عليه أهل السنة والجماعة كما سبق، وقال بقول من أقوال "مرجئة الفقهاء" (١).


(١) مرجئة الفقهاء يقولون: إن الإيمان هو التصديق بالقلب والنطق باللسان فقط، ويرون أن الأعمال إنما هي شرائع الإيمان، فهو سبب لها، لكنها ليست لازمة له، فليست شرطًا لصحته ولا جزءًا من ماهيته، ولهذا يرون أن الإيمان لا يتفاضل، وإن كانوا يرون أن من توفاه الله جل وعلا وهو مصر على كبيرة من كبائر الذنوب أنه يعذب في الآخرة إن لم يعف الله تعالى عنه.
ومما ينبغي التنبيه عليه أن أكثر المسائل التي خالف فيها مرجئة الفقهاء الخلاف فيها لفظي، وما كان منها غير لفظي، كقولهم: إن تارك جنس العمل لا يكفر، لأن العمل عندهم ليس شرط صحة للإيمان، وكقولهم: إن الكفر لا يكون بالقول ولا بالفعل حتى يصحبه كفر =

<<  <   >  >>