ولذلك قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢١٨)} [البقرة: ٢١٨] والمعنى: أولئك الذين يستحقون أن يرجوا، وقال تعالى:{لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ}[النساء: ١٢٣](١).
وبالجملة فإنه يجب على المسلم أن يعبد الله عبة له، وخوفًا من عقابه، ورجاء لثوابه، كما أنه له أن لا يفرِط في الخوف حتى يصل إلى درجة القنوط واليأس من رحمة الله، وأن لا يفرط في الرجاء فيتعلق بسعة وحمة الله مع إصراره على معصيته، بل يجب أن يجمع بينهما، وإن كان ينبغي له في حال الصحة أن يغلب جانب الخوف ليحمله على طاعة الله وعلى البعد عن معصيتة، وعند الموت يغلب جانب الرجاء على جانب الخوف حتى يموت وهو يحسن الظن بالله، فيفرح بلقائه تعالى، فلابد من الجمع بينهما كما في الآيات الثلاث السابقة.
(١) وقال تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ} [الأعراف: ١٦٩]، أي أن هؤلاء الخلوف الذين لا خير فيهم يتمنون على الله غفران ذنوبهم التي لا يزالون يعودون فيها ولا يتوبون منها وقال تعالى: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦)} [الأعراف: ٥٦]، دلت هذه الآية بمفهومها على أن رحمة الله بعيدة من عير المحسنين، يخشى أن لا تشملهم. ينظر بدائع الفوائد لابن القيم ٣/ ١٧. وقال الله تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} الآية [الأعراف: ١٥٦].