إذ كان ذلك لا يبلغ أبدًا، فإن دون كل بيان بيانًا، وفوق كل متعلق غامض، متعلق أغمض منه.
وإذا كان الأمر كذلك فالواجب الوقوف عند المستبهم منه، ومن أجل ذلك أثنى الله عز وجل على الراسخين في العلم بأنهم إذا أفضى ببعضهم الأمر إلى ما جهلوه، آمنوا به، ووكلوا إلى الله عز وجل. ومن أجل ذلك ذم الله الغالين في طلب مأوى عنهم علمه وطوى عنهم خبره، فقال:{فأما الذين في قلوبهم زيغ} .. إلى قوله {وما يذكر إلى أولو الألباب}.
ومن أجل بعض ما ذكرنا اشتد الخلفاء المهديون على ذوي الجدل والكلام في الدين وعلى ذوي المنازعات والخصواما في الإسلام والإيمان، ومتى نجم منهم ناجم في دهر، أطفوه، وأخمدوا ذكره وأنعموا عقوبته. فمنهم من سيره إلى طرف. ومنهم من ألزمه قعر محبس، إشفاقًا على الدين من فتنه، وحذارا على المسلمين من خدعات شبهته، كما فعله الإمام الموفق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حين سأله صبيغ عن ((الذاريات ذروا)) وأشباهه، فسيره إلى الشام وزجر الناس عن مجالسته.
وفعله علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- بعبد الله بن سبأ، فسيره إلى المدائن.
ولقد أتى محمد بن سيرين رجل من أهل الكلام. فقال ائذن لي أحدثك بحديث: قال: لا أفعل. قال: فأتلو عليك آية من كتاب الله ((قال: لا ولا هذا فقيل له في ذلك، فقال ابن سيرين: لم آمن أن يذكر لي ذكرًا يقدج به قلبي.
وقد بين الله ما بالعباد إليه حاجة في عاجلهم ومعادهم، وأوضح لهم سبيل النجاة والتهلكة وأمر ونهى وأحل وحرم وفرض وسن، فما أمر العباد