ولم تنل دراسة تاريخ المنطق عند الإسلاميين حقها من عناية الباحثين. وإذا كان الرأي السائد أن منطق أرسططاليس نقل إلى العربية فيما نقل من فلسفة يونان -فظل على مر الأيام منطقا أرسططاليسيا في أصوله وقواعده، وفي جملته وتفصيله. فإن هذا الرأي السائد ليس وليد بحث عميق ولا اطلاع واسع على الاتجاهات المختلفة للمنطق في ألوان الثقافات الإسلامية. كأبحاث أصول العقائد وأبحاث أصول الأحكام.
ولقد كنت أيام اشتغالي بتدريس المنطق في الجامعة المصرية معنيا بأن أوجه الهمم إلى دراسة تاريخ المنطق في الثقافة الإسلامية وتتبع أطواره ومذاهبه، وأعرف أن ذلك يحتاج إلى تقصى المراجع في مظانها وفي غير مظانها أحيانا، وإلى التماس المؤلفات النافعة في هذا الباب بين المخطوطات التي لم تتناولها الأيدي.
وكنت عثرت في دار الكتب الأزهرية على مجموعة رسائل للسيوطي في ضمنها كتاب "صون المنطق والكلام عن فن المنطق والكلام" يتبعه كتاب "جهد القريحة في تجريد النصيحة" الذي لخصه السيوطي من كتاب "نصيحة أهل الإيمان في الرد على منطق اليونان" لتقي الدين بن تيمية. ووجدت في الكتابين نفعا محققا فيما أحاوله، فشرعت يومئذ في تدارسهما مع بعض الطلاب، غير أن ذلك لم يطل، فقد صرفتني الأقدار عن حياة المنطق إلى حياة ليست بمنطقية.