قال في كتابه الانتصار لأهل الحديث: قد لهج بذم أصحاب الحديث صنفان. أهل الكلام، وأهل الرأي. فهم في كل وقت يقصدونهم بالثلب والعيب وينسبونهم إلى الجهل وقلة العلم، وإتباع لسواد على البياض، وقالوا غثاء وغثر، وزوامل أسفار، وقالوا أقاصيص، وحكايات، وأخبار، وربما قرأوا (كمثل الحمار يحمل أسفارًا).
وفي الحقيقة ما ثلموا إلى دينهم، ولا سعوا إلا في هلاك أنفسهم، وما الأساكفة وصوغ الحلي وصناعة البز. وما للحدادين وتقليب العطر والنظر في الجواهر. أما يكفيهم صدأ الحديد، ونفخ الكير وشواظ الذيل والوجه وغبرة في الحدقة، وما لأهل الكلام ونقد حملة الأخبار. وما أحسن قول من قال:
بلاء ليس يشبهه بلاء *** عداوة غير ذي حسب ودين
ينيلك منه عرضًا لم يصنه *** ويرتع منك في عرض مصون
لكن الحق عزيز، وكل مع عزته يدعيه. ودعواهم الحق تحجبهم عن مراجعة الحق نعم إن على الباطل ظلمة وإن الحق نورًا، ولا يبصر نور الحق إلا من حشى قلبه بالنور {ومن لم يجعل الله له نورًا لما له من نور} فالمتخبط في ظلمات الهوى والمتردي في مهاوي الهلكة، والمتعسف في المقال