وقد سمعت بعض المتهمين: يقول: وما الكلام؟ كلما خرج من الفم من النطق فهو كلام فهو والله حمق ظاهره أن يكون تلبسه بالشافعي الإمام المطلبي باعتزائه الكاذب إليه وزعمه الباهت عليه. وهو من أشد خلق الله تعالى على المتكليم وأثقله عليهم كما نظمنا عنه من أقاويله الغر في ذمهم. ثم هذا المراوغ يدعي أنه لا يدري ما الكلام، وهؤلاء أئمة الإسلام، وكل هذا التحذير وإيذانه قديمًا بالضرر الكبير، فليبرزوا به إذن من الخباء، وليخرجوا الطبل من الكساء، ويقيموا الخطأ على أولئك السادة الهداة. ويسيروا بنا إلى مسلم أدركه في الكلام رشدًا ولقي به خيرًا، فلا والله لا دين المتناجين دين، ولا رأي المنسارين.
ثم أخرج عن عمر بن عبد العزيز قال: إذا رأيت قومًا يتناجون في أمر دينهم بشيء، فاعلم أنه تأسيس ضلالة، وسمعت إسماعيل بن علي يقول: سمعت فاخر بن معاد يقول لبعض أهل الكلام: إن جئتني بالكلام هشمت أسنانك.
وقرأت كتاب محمود الأمير يحث فيه على كشف أستار هذه الطائفة والإفصاح بعيبهم، ويقول فيه: لم يخف أن القرآن يصرح به في الكتاتيب ويجهر به في المحاريب. وحديث المصطفى- صلى الله عليه وسلم- يقرأ في الجوامع، ويسمع في المجامع، وتشد إليه الرحال، والفقهاء في القلانس مفصحون في المجالس، وأن الكلام في الخفايا، يدس به في الزوايا. قد ألبس أهله ذله، وأشعرهم ظلمه. يرمون بالألحاظ، ويخرجون من الحفاظ، يسب بهم أولادهم ويتبرأ منهم أوداؤهم.