ثم جعل تعالى ذكره- علماء كل أمة نبي ابتعثه منهم ورثته من بعده، والقوام بالدين بعد اخترامه إليه وقبضه، الذابين عن عراه وأسبابه، والحامين عن أعلامه وشرائعه، والناصبين دونه لمن عانده وجادله، والدافعين عنه كيد الشيطان وضلاله، فضلهم بشرف العلم، وكرمهم بوقار الحلم؛ وجعلهم للدين وأهله أعلامًا، وللإسلام والهدى منارًا، وللخلق قادة وللعباد أئمة وسادة، إليهم مفزعهم عند الحاجة، وبهم استغاثتهم عند النائبة لا يثنيهم عن التعطف والتحنن عليهم سوء ما بهم من أنفسهم، يولون ولا يصدهم عن الرقة عليهم، والرأفة بهم قبح ما إليه يأتون. تحريا منهم طلب جزيل ثواب الله فيهم. وتوخيًا طلب رضي الله في الأخذ بالفضل عليهم. ثم جعل جل ذكره علماء أمة نبينا- صلى الله عليه وسلم- من أفضل علماء الأمم التي خلت قبلها فيما كان قسم لهم من المنازل والدرجات والمناقب والمكرمات، فكمل وأجزل لهم فيه حظًا، ونصيبًا مع ابتلاء الله أفاضلها بمنافقيها، وامتحانه خيارها بشرارها؛ ورفعها بسفلها ووضعائها، فلم يكن يثنيهم ما كانوا به مهم يبتلون، ولا كان يصدهم ما في الله منهم يلقون عن النصيحة لله في عباده وبلاده أيام حياتهم. بل كانوا بعلمهم على جهلهم يعودون. وبحملهم لسفههم يتعهدون وبفضلهم على نقصهم يأخذون. بل كان لا يرضى كثير منهم ما أزلفه لنفسه عند الله من فضل ذلك أيام حياته، وادخر منه من كريم الذخائر لديه قبل مماته، حتى تبقى لمن بعده آثارًا على الأيام باقية. ولهم إلى الرشاد هادية جزاهم الله عن أمة نبيهم- صلى الله عليه وسلم- أفضل ما جزى عالم أمة عنهم وحباهم من الثواب أجزل الثواب. وجعلنا ممن