أنهم ذهبوا خلاف مذهب هؤلاء، وسلكوا غير طريقهم، وأن هذا طريق محدث مخترع لم يكن عليه رسول الله "صلى الله عليه وسلم" ولا أصحابه رضي الله عنهم، وسلوكه يعود عليهم بالطعن والقدح، ونسبتهم إلى الجهل وقلة العلم في الدين واشتباه الطريق عليهم.
وبلغني أنه كان لأبي هاشم الجبائي ابنة تسمى فاطمة، وكان أصحابه يقولون: إن فاطمة بنت أبي هاشم أعلم بالله وبطريق الحق من فاطمة بنت محمد "صلى الله عليه وسلم" ورضي عنها فنعوذ بالله من طريق يؤدي إلى مثل هذا القول. ونسأله التوفيق لما يحب ويرضى.
وإياك رحمك الله أن تشتغل بكلامهم، ولا تغير بكثرة مقالاتهم فإنها سريعة التهافت كثيرة التناقض، وما من كلام تسمعه لفرقة منهم إلا ولخصومهم عليه كلام يوازيه أو يقاربه، فكل بكل معارض، وبعض ببعض مقابل، وإنما يكون تقدم الواحد منهم، وفلجه على خصمه بقدر حظه من البيان، وحذقه في صناعة الجدل والكلام. وأكثر ما يغلب بعضهم بعضًا. إنما هو إلزام من طريق الجدل على أصول لهم ومناقضات على أقوال حفظوها عليهم، فهم يطالبونهم بقودها وطردها. فمن تقاعد عن ذلك سموه من طريق الجدل منقطعًا وجعلوه مبطلًا، وحكموا بالفلج لخصمه، والجدل لا يتبين به حق. ولا تقوم به حجة وقد يكون الخصمان على مقالتين مختلفتين، كلتاهما باطلة، ويكون الحق في ثالثة غيرهما. فمناقضة أحدهما صاحبة لا تصحح مذهبه، وإن أفسد به قول خصمه لأنهما مجتمعان في الخطأ مشتركان فيه. يقول الشاعر: