للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"فصل" من أشد الناس غلوًا وإسرافًا طائفة من المتكلمين كفروا عوام المسلمين. وزعموا أن من لا يعرف الكلام معرفتنا، ولم يعرف العقائد الشرعية بأدلتها التي حررناها، فهو كافر. فهؤلاء ضيقوا رحمة الله على عباده أولًا. وجعلوا الجنة وقفًا على شرذمة يسيرة من المتكلمين، ثم جهلوا ما تواتر من السنة ثانيًا. إذ ظهر رسول الله "صلى الله عليه وسلم" وعصر الصحابة حكمهم بإسلام طوائف من أجلاف العرب كانوا مشتغلين بعبادة الوثن، ولم يشتغلوا بتعليم الدليل. ولو اشتغلوا بها لم يفهموها ومن ظن أن مدرك الإيمان الكلام والأدلة المحررة والتقسيمات المرتبة فقد أبعد لا: بل الإيمان نور يقذفه الله في قلب عبده عطية وهدية من عنده؛ تارة بتنبيه من الباطن لا يمكن التعبير عنه، وتارة يسبب رؤيا في المنام، وتارة بمشاهدة حال رجل متدين وسراية نوره إليه عند صحبته ومجالسته، وتارة بقرينة حال. فقد جاء أعرابي إلى النبي عليه السلام جاحدًا له منكرًا، فلما وقع بصره على طلعته البهية، فرآها تتلألأ منها أنوار النبوة قال: والله ما هذا بوجه كذاب. وسأل أن يعرض عليه الإسلام وجاء عليه السلام آخر فقال: أنشدك الله: الله بعثك نبيًا؟ فقال: أي والله، الله بعثني نبيًا، فصدقه بيمينه وأسلم. وهذا وأمثاله مما لا حصى ولم يشتغل واحد منهم بالكلام ويعلم الأدلة بل كان يبدو نور الإيمان أولًا بمثل هذه القرائن في قلوبهم لمعة بيضاء. ثم لا تزال تزداد إشراقًا بمشاهدة

<<  <   >  >>