تدعونا إلى لغة لا تفي بها وقد عفت منذ زمان طويل، وباد أهلها، وانقرض القوم الذين كانوا يتفاوضون بها، ويتفاهمون أغراضهم بتصرفها. على أنك تنقل من السريانية، فما تقول في معان متحولة بالنقل من لغة يونان إلى لغة أخرى سريانية، ثم من هذه إلى لغة أخرى عربية؟ .
قال متى: يونان وإن بادت مع لغتها، فإن الترجمة قد حفظت الأغراض وأدت المعاني، وأخلصت الحقائق.
قال أبو سعيد: إذا سلمنا لك أن الترجمة صدقت، وما كذبت، وقومت، وما حرفت ووزنت، وما خزمت، وأنها التاثت، ولا حافت، ولا نقصت، ولا زادت، ولا قدمت، ولا أخرت - ولا أخلت بمعنى الخاص والعام، ولا بأخص الخاص ولا بأعم العالم - وإن كان هذا لا يكون - وليس في طبائع اللغات ولا في مقادير المعاني. فكأنك تقول بعد هذا لا حجة إلا عقول يونان، ولا برهان إلا ما وصفوه، ولا حقيقة إلا ما أبرزوه.
قال متى: لا - ولكنهم من بين الأمم أصحاب عناية بالحكمة، والبحث عن ظاهر هذا العالم وباطنه، وعن كل ما يتصل به وينفصل عنه، وبفضل عنايتهم ظهر ما ظهر، وانتشر ما انتشر، وفشا ما فشا، ونشأ ما نشأ من أنواع العلم وأصناف الصناعة - ولم نجد هذا لغيرهم.
قال أبو سعيد: أخطأت وتعصبت، وملت مع الهوى، فإن العلم مبثوث في هذا العالم. ولهذا قال القائل: