قلت لأبي عبد الله: رجل ابتاع فضة من رجل واشترط عليه أن يصوغ خاتمًا، فَقَالَ:"هذا يكره. هذا يصيرُ نَسيئةً".
قال أحمد: جيد هذا مكروه في نفس البيع، ولكن لو سَمَّى له الكراء لم يكن به بأس، هو أيضاً شرط في صرف.
قال إسحاق: لا يجوز في هذا اشتراط، والصرف منتقض.
قلت: فقد فرق أبو عبد الله رضي الله عنه بين أن يسمى له الكراء أولاً، فإن سمى له الكراء جاز، وعلله بأنه شرط في صرف، ومعناه: أن غايته أن يكون كالشرط.
وإن لم يُسمَّ له الكراء فقد كرهه، ولعله كرهه لما فيه من الجمع بين بيع الفضة بفضة، فيكون بيع جنسين بأحدهما كـ "مد عجوة" وهي ها هنا محرمة؛ لأنّه ينقص بالأجرة قيمة الفضة فتصير متفاضلة، بخلاف ما إذا ابتاع منه الفضة بوزنها ثم استأجره عَلَى صياغتها بأجرة معلومة، فإن تلك المفسدة تزول بتفصيل الثمن والأجرة. ويحتمل -وهو الأظهر- أن يكون كره ذلك إذا لم يُسَمِّ له الكراء لعدم التقابض، ولهذا علله بأنه يصير نسيئة في البيع بخلاف ما إذا سمى له الكراء فإنَّه يصير مستأجرًا له عَلَى الصياغة، فتصير يده يد إجارة محضة بائنةٍ عن يد المشتري فكأنه قد وكَّله في قبضه له، ولو فعل ذلك جاز وصحَّ القبض.
فكذلك إذا استأجره عليه إجارة مستقلة بأجرة مسماة بخلاف ما إذا لم يسمَّ له الأجره وشَرَطَ عليه العمل؛ فإن الإجارة تكون في ضمن عقد البيع فتكون تابعة له وداخلةً في ضمنه ولم يحصل القبض فكرهه لذلك.
ولعله كرهه كراهة تنزيه؛ لأنّ يد البائع أيضاً يد أجير في مده الصياغة، وإن كانت داخلة في ضمن البيع، ولهذا لا بد أن يكون قد زاد في الثمن لأجل الصياغة ولا بد. وقوله: فيما إذا سمى الكراء هو أيضاً شرط في صرف يومئذ، ذلك فإن معناه أنَّه لا يخرج بالتسمية عن أن يكون شرطًا في عقد الصرف كما لو لم يسمَّ.