للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بعيد لأنّ الشهادة إذا أطلقت فهي المتعارفة، وقوله: ولا نكتم شهادة الله صريح فيه فإنّ الإيمان لا تكتم وتأويل من غيركم بغير أقربائكم قال الجصاص لا وجه له لأنّ الخطاب توجه أوّلاً إلى أهل الإيمان فالمغايرة تعتبر فيه، ولم يجر للقراية ذكر ويدل عليه الحديث الآتي في سبب النزول، ثم إنّ الشهادة إذا حملت على الوصية هل تعم كل وصية أو تخص بما وقع في الحديث اختلف فيه، وهل هي منسوخة أو باق حكمها فقيل نسخت بقوله: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} فإنه آخر ما نزل، وقيل إنّ في هذه السورة ثماني عشرة فريضة لم ينسخ منها شيء.

واعلم أنّ الشهادة كيف تتصوّر هاهنا وشهادتهما إما على الميت، ولا وجه لها بعد موته، وانتقال الحق إلى الورثة، وحضورهم أو على الوارث المخاصم فكيف يشهد الخصم على خصمه فهذا يقتضي بالضرورة تأويل الشهادة فالظاهر أن تحمل في قوله شهادة بينكم على الحضور أو الإحضار أي إذا حضر الموت لمسافر فليحضر من يوصي إليه بإيصال ماله لوارثه مسملاَ فإن لم يجد فكافر، والاحتياط أن يكونا اثنين فإذا جاءا بما عندهما، وحصل ريبة في كتم بعضه فليحلفا لأنهما مودعان مصدّقان بيمينهما فإن وجد ما خانا فيه، وادّعيا أنهما تملكاه منه بشراء، ونحوه، ولا بينة لهما على ذلك يحلف المدعى عليه على عدم العلم بما ادعياه، وإنه ملك لمورثهما لا نعلم انتقاله عن ملكه، والشهادة الثانية بمعنى العلم المشاهد، أو ما هو بمنزلته لأنّ الشهادة المعاينة فالتجوّز بها عن العلم صحيح قريب، والشهادة الثالثة إما بهذا المعنى أو بمعنى اليمين كما مرّ فلا نسخ في هذه الآية على هذا، ولا إشكال، ولله الحمد مما أفاضه الله عليّ ببركة كلامه.

وما ذكر كله تكلف لم يصف من الكدر لذوق ذائق، وسبب النزول، وفعل الرسول مبين

لما ذكرنا عودا على بدء، وقول المصنف من ذوي نسبه أو دينه إشارة إلى الوجهين السابقين، وقوله يوصي إشارة إلى حمل الشهادة على الوصية، والتغليظ بالزمان، والمكان مذهب الشافعي، وهو عندنا لا يلزم بل يجوز للحاكم فعله.

وقوله: قإنه لا يحلف الشاهد هو المشهور، وقيل إنه إن لم يجد من يزكيه يجوز تحليفه احتياطا كما وقع في بعض كتب الفتاوى الحنفية، وقوله: ورد اليمين هو مذهب الشافعي أيضا، وعندنا لا تردّ اليمين، وليس في الآية دليل عليه لما ذكرناه، وقوله: أو لتغير الدعوى أي انقلابها بأنّ المدعى عليه صار مدعيا للملك، والوارث مدعى عليه فلذا لزمته اليمين لا للرد كما مرّ، وهو الصحيح، وقوله: (إذ روي الخ) استدل بسبب النزول على ما ذكره آخرا، وهو الصحيح. قوله: (روي أنّ تميماً الخ) أخرجه البخاري وأبو داود، والترمذي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بسند صحيح عن تميم الداري في هذه الآية قال يرى الناس منها غيري، وغير عدي بن بدّاء، وكانا نصرانيين يختلفان إلى الشام قبل الإسلام فأتيا الشأم لتجارتهما وقدم عليهما مولى لبني سهم يقال له بزيل بن أبي مريم بتجارة، وص مه جام من فضة يريد به الملك وهو أعظم تجارته فمرضى فاوصى إليهما، وأمرهما أن يبلغا ما ترث لورثته قال تميم فلما مات أخذنا ذلك الجام فبعناه بألف درهم، ثم اقتسمناه أنا وعدي بن بداء فلما قدمنا إلى أهله دفعنا إليهم ما كان معنا ففقدوا الجام فسألونا عنه فقلنا ما ترك غير هذا، وما دفع إلينا غيره قال تميم فلما أسلمت بعد قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم تأثمت من ذلك فأتيت أهله فأخبرتهم الخبر وأدّيت إليهم خمسمائة درهم وأخبرتهم أنّ عند صاحبي مثلها فأتوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألهم البينة فلم يجدوا فأمرهم أن يستحلفوه بما يعظم به على أهل ديته فحلف فأنزل الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا} الآية فقام عمرو بن العاص ورجل آخر فحلفا فنزعت الخمسمائة درهم من عدفي بن بداء كذا

قال الترمذي: فيا لجامع، ثم قال هذا حديث غريب وليس إسناده بصحيح، وأبو النضر الذي روى عنه محمد بن إسحق هذا الحديث هو عندي محمد بن السائب الكلبي يكنى أبا النضر، وقد تركه أهل العلم بالحديث، وهو صاحب التفسير سمعت محمد بن إسماعيل يقول محمد بن السائب يكنى أبا النضر ولا نعرف لسالم أبي النضر رواية عن أبي صالح مولى أم هانى رضي الله تعالى عنها، وقد روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما شيء من هذا على الاختصار من غير هذا الوجه حدّثنا سفيان بن وكيع قال حدثنا يحيى بن آدم عن أبي زائدة عن محمد

<<  <  ج: ص:  >  >>