بمخلصون أو منقادون لأنه بهذا المعنى يطلق على من قبلنا، وفي العرف يختص بنا، وهو معنى آخر. وقوله:(فيكون تنبيهاً الخ) أي على جعله متعلقا بقالوا والمعية تفهم من كونهما في زمان واحد، وهو ظاهر. قوله:(لم يكق بعد عن تحقيق واستحكام معرف الخ) بعد سقط من نسخة إلى الآن أي حين تكلمهم بهذا لم يكن ما قالوه عن لحقيق منهم، ولا عن
معرفة بالله، وقدرته لأنهم لو حققوه، وعرفوه لم يقولوا هل يستطيع، ويقدر إذ لا يليق مثله بالمؤمن بالله، وتبع فيه الزمخشري في الجري على ظاهر الكلام من كون الحواريين شاكين في قدرة الله وفي صدق عيسى صلى الله عليه وسلم كاذبين في دعوى الإيمان والاخلاص، وذهب محيي السنة وغيره إلى أنهم كانوا مؤمنين، وسؤالهم للاطمئنان، والتثبت كما قال الخليل صلى الله عليه وسلم {أرتي كيف تحيي الموتى} [سورة البقرة، الآية: ٢٦٠، وهل يستطيع سؤال عن الفعل دون القدر تعبيرا عن الفعل بلازمه أو عن المسبب بسببه، ومعنى إن كنتم مؤمنين إن كنتم كاملين في الإيمان، والاخلاص ومعنى، ونعلم أن قد صدفتنا علم مشاهدة، وعيان بعلم ما علمناه علم إيمان، وايقان بدليل إنّ المؤمنين أمروا بالتشبيه بالحواريين، وأجيب بأنّ الحواريين فرقتان مؤمنون هم خالص عيسى عليه الصلاة والسلام والمأمور بالتشبه بهم، وكافرون وهم أصحاب المائدة، وسؤال عيسى صلى الله عليه وسلم لنزول المائدة وإنزالها ليلزمهم الحجة وقال ابن عطية وغيره من المفسرين إنّ القول بكونهم غيره مؤمنين خارق للإجماع ولا نعلم خلافاً في إيمانهم، وأوّلوا الآية، وأجابوا عنها بما مرّ ونحوه، وقالوا صفة الحوارفي تنافي عدم إيمانهم، وهو الحق، وادّعاء أنهم فرقتان يحتاج إلى نقل، ولك أن تقول أنّ المصنف رحمه الله لم يذهب إلى ما ذهب إليه الكشاف، وأنّ مراده أن إخلاصهم الذي ادّعو. لم يكن محكما محققاً تحقيقاً لا تعتوره الأوهام، والوساوس الذي لا تضرّ المؤمن، ولا توقعه في مزلة الكفر فطلبوا إزالة ذلك طلب من يتثبت لانكارهم له، واستعظامه عندهم لا لشك منهم، ولكن خافوا أن يوقعهم الشيطان به في حبائله، وهذا تصرّف منه أخف من نسب الشك إليهم، ومخالفة ظاهر النظم كما يدل عليه ما سيأتي، وهذا هو النظر السديد عندي فتأمله. قوله:(وقيل هذه الاستطاعة على ما تقتضيه الحكمة والإرادة) فكأنهم قالوا هل إرادة الله، وحكمته تعلقت بذلك أولاً لاً نه لا يقع شيء بدون تعلقهما به قبل، وقوله:{اتقوا الله إن كنتم مؤمنين}[سورة المائدة، الآية: ٥٧] لا يلائمه لأن السؤال عن مثله مما هو من علوم الغيب لا قصور فيه، وقد عرفت أنّ الجمهور أولوه كما مرّه قوله:(وقيل المعنى هل يطيع ربك الخ) فيستطيع بمعنى يطيع، ويطيع بمعنى يجيب مجازاً لأنّ المجيب مطيع، وذكر أبو شامة أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم عاد أبا طالب في مرض فقال له يا ابن أخي اح ربك أن يعافيني فقال:" اللهمّ اشف عمي) فقام كأنما نشط من عقال فقال يا ابن أخي إنّ ربك الذي تعبده ليطيعك فقال: " يا عم وأنت لو أطعته لكان يطيعك " أي يجيبك لمقصودك،
وحسنه في الحديث المشاكل فقد عرفت أنّ العرب استعملته بهذا المعنى، وفي الانتصاف قيل معنى يستطيع يفعل كما تقول للقادر على القيام هل تستطيع أن تقوم، ونقل هذا عن الحسن فعلى هذا يقون إيمانهم سالما عن الشك في القدرة والتعبير عن الفعل بالاستطاعة من التعبير عن المسبب بالسبب إذ هي من أسباب الإيجاد على عكس {إذا قمتم إلى الصلاة}[سورة المائدة، الآية: ٦] وهذا التأويل الحسنيّ يعضد تأويل أبي حنيفة رحمه الله حيث جعل الطول المانع عن نكاح الأمة، وجود الحرة في العصمة، وعدمه أن لا يملك عصمة الحرّة، وان كان قادراً على ذلك فيباح له حينئذ الأمة، وحمل قوله:{ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات} على معنى، ومن لم يملك منكم، وحمل النكاح على الوطء فجعل استطاعة الملك بمعنى الملك حتى أنّ القادر غير المالك عادم الطول عنده فينكح الأمة، وكنت أستبعده حتى وقفت على تفسير الحسن هذا، وكانت عائشة رضي الله عنها تقول الحواريون أعرف بالله من أن يقولوا هل يستطيع ربك فنزهتهم عن أن ينسب إليهم مثل هذه المقالة الشيعة. قوله:(وقرأ الكسائي تستطيع ربك أي سؤال ربك) أي قرأها بالتاء خطابا بالعيسى صلى الله عليه وسلم، وربك منصوب على المفعولية، وبقراءته كانت تقرأ عائثة، ومعاذ وعليّ وابن عباس