في جماعة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين وعلى هدّه القراءة فالأكثر أنّ فيها مضافاً مقدراً، وقيل لا حاجة إلى تقدير، والمعنى هل تستطيع أن ينزل ربك بدعائك، وهذا منقول عن الفارسيّ وفيه نظر وفي قوله هل تسأله ذلك إشارة إلى أنّ استطاعة السؤال هنا عبارة عن السؤال كما مرّ تحقيقه لأنّ قوله من غير صارف يأباه فتأمل. قوله:(والمائد الخوان إذا كان عليه الطعام من ماد الماء الخ) الخوان بضم الخاء، وكسرها، وفيه لغبة اخوان بهمزة مكسورة، وهو معرّب وقيل إنه عربيّ مأخوذ من تخوّنه أي نقص حقه لأنه يؤكل عليه فينقص، وهو بمعنى المائدة، وهي فاعلة من ماد يميد إذا تحرك أو من ماده بمعنى أعطاه فهي إما فاعلة بمعنى مفعول كعيشة راضية أو بجعلها للتمكن مما عليها كأنها بنفسها معطية كقولهم للشجرة المثمرة مطعمة، وتفسير المائدة بالخوان تفسير بالأعمّ لأنه لا يقال للخوان مائدة إلا وعليه طعام، والا فهو خوان كما لا يقال للقدح كأس إلا وفيه خمر، وله نظائر كثيرة ذكرها أهل اللغة. قوله:(بكمال قدرته وصحة نبوتي الا فرق بينهما في ابتغائهما، وإنما الفرق في تقدير متعلق الإيمان هل هو القدرة والنبوة
أو عدم تقديره، والمراد صادقين في الإيمان مطلقاً. قوله: (تمهيد عذر وبيان لما دعاهم إلى السؤال الخ) هذا! لا ينافي ما سبق من كونهم لم تكن معرفتهم مستحكمة لأنهم ليسوا معاندين ولا جازمين بخلافه فلهم أن يعتذروا عن طلبه بأنّ،: مرادنا أن نتيقن، ويزول وهمنا، وعلى التأويلات السابقة لا اشكال فيه فما قيل إنه رد لما في الكشاف من كونهم شاكين، ويدل عليه. قوله:(لما رأى أنّ لهم غرضاً صحيحاً الخ الا يرد عليه أنه كيف يتمشى مع تصريحه أولاً بما ذكره الكشاف، وتقديمه على سائر الأقوال، ولهذا اكترض عليه بأنه غير منايسب لصدر كلامه، ولذا قال بانضمام علم المشاهدة إلى علم الاستدلال ليكون عين اليقين، ولا بعد في مثله من بعض الحواريين إذ قد يكون منهم من قرب عهده ثم تمحض بذلك خلوصه، ؤكلامه لا يخلو من اغلاق وادماج، وقوله عليها من الشاهدين مثل قوله: وكانوا فيه من الزاهدين. وقوله: (إذا استشهدتنا) يشعر بأنّ على صلة الشاهدين لكن فيه تقديم ما في حيز الصلة، وحرف الجر وكلاهما ممنوع فلا بد من تعلقه بمحذوف يفسره من الشاهديبن إن جوّزنا تفسير ما لا يعمل للعامل، وقد جوّز تقدمه بعض النحاة مطلقاً وبعضهم في الظرف، وجوّز أن يكون حالاً من اسم كان أي عاكفين عليها على ما مرّ في قوله تعالى {قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة} ، والوجه الثاني لا اشعار فيه به، وقوله بكمالها إشارة إلى أنّ عندهم دليلاَ لكنه غير تام، وهذ يؤيد ما اخترنا في تفسير كلامه. قوله:(اللهم ربنا الخ) قالوا ربنا نداء ثان لا بدل ولا صفة لأنّ لفظ اللهم لا يتبع، وفيه خلاف لبعض النحاة ومن السماء إما صفة مائدة أو متعلق بالفعل. قوله:(أي يكون يوم نزولها عيدا الخ الما كان العيد اسماً للزمان في المتعارف لم يصح الاخبار عن المائدة به فقدر نزولها يوم عيد ليصح الحمل فإن قلنا إنّ معناه السرور لا يحتاج إلى التأويل، ولكن يكون جعلها نفسها سرورا مبالغة مجازاً في الاسناد، والعيد العائد مشتق من العود لعوده في كل عام بالفرح والسرور، وكل ما عاد عليك في وقت فهو عيد قال الأعشى:
فوا كبدي من لا عج الحب والهوى إذا اعتاد قلبي من أميمة عيدها
وهو واوي لكنهم قالوا في جمعه أعياد، وكان القياس أعواداً ففعلوا ذلك فرقا بين جمع
عيد وعود، وقد فصلنا الكلام فيه في شرح درة الغواص، ومنهم من أعرب لنا خبرا وجعل عيداً حالاً. قوله: (بدل من لنا باعادة العامل الخ) ظاهره أنّ المبدل منه الضمير، ولكن أعيد
الجار لأنّ البدل في قوة تكرار العامل وهو تحكم لأنّ الظاهر أنّ الجار والمجرور بدل من الجار والمجرور ثم إنّ ضمير الغائب يبدل منه وأمّا ضمير الحاضر، وهو المتكلم، والمخاطب فأجازه بعضهم مطلقاً، وهو ظاهر كلام المصنف، ومنعه قوم وفصل بعضهم فقال إن أفاد تأكيد أو إحاطة وشمولاً كما هنا جاز والا امتنع. قوله:(وقيل يثل منها أوّلنا وآخرنا) الآكل مأخوذ من المائدة، وقوله نريد أن نأكل منها، وكونها لأوّلهم، وآخرهم بأن يأكلوا منها جميعا من غير نقص، ولا تفاوت بين الأوّل، والآخر فيكون كقوله تعالى:{ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا}[سورة مريم، الآية: ٦٢]