فإن قلت قوله:{فلما توفيتني} الخ بعد قوله: {وكنت عليهم شهيدا} الخ من قبيل ما مر في قوله قالوا لا علم لنا أي لا علم لنا بما كان منهم بعدنا إذالحكم للخاتمة، وقد رد هنا بأنه كيف يخفى عليه أمرهم، وقد رآهم سود الوجوه كما مر قلت: ليس هذا منه لأنه صلى الله عليه وسلم في صدد التنصل، والتبري عما نسب إليه واثباته لهم فأين هذا من ذاك فإن قيل إنه تعالى قبل توفيه هو المانع بالإرشاد لإرسال الرسل والبينات كما أنه كذلك بعد توفيه فلا تقابل بين قوله كنت أنت الرقيب، وقوله: كنت عليهم شهيداً على هذا التفسير فينبغي تفسيره بأني ما دمت فيهم كنت شاهدا لأحوالهم فيمكن لي بيانها، وبعد التوفي لا أعلم حالهم، ولا يمكنني بيانها قلت منعه من غير واسطة بل بالقول، والزجر، ومنع الله ليس كذلك فالتقابل واضح وتخصيصه بعد توفيه بالفعل بلا رسولط، والا فهو الهادي قبله، وبعده وهو ظاهر مما مر، وقوله: بالرفع إلى السماء إشارة إلى ما سبق من أنه لم يصلب، ولم يمت فلذا فسر التوفي برفعه، وأخذه من الأرض! كما يقال توفيت المال إذا قبضته. قوله:(ولا اعتراض على المالك الخ) وأما العباد فقد يعترض عليهم إذا فعلوا بمماليكهم ما لا يجوّزه الشرع لأنهم لا ملك لهم على الإطلاق، وقوله وفيه تنبيه لم يجعله معنى النظم لأنه ليس من منطوقه بل فيه إشارة إليه. قو! ٤:) فلا هجز ولا استقباح الخ) وقع لبعض الطاعنين في القرآن من الملاحدة أن المناسب ما وقع في مصحف ابن مسعود رضي الله عنه بدل العزيز الحكيم العزيز الغفور لأنه مقتضى قوله، وأن تغفر لهم كما نقله ابن الأنباري رحمه الله تعالى، وأجاب عنه لسوء فهمه ظن تعلقه بالشرط الثاني فقط لكونه جوابه، وليس كما توهم بفكره الفاسد بل هو متعلق بهما، ومن له الفعلى،
والترك عزيز حكيم فهذا أنسب، وأدق وأليق بالمقام، وما في كلام المصنف رحمه الله تعالى يمكن إرجاعه إلى هذا أو هو متعلق بالثاني، وأنه احتراس لأنّ ترك عقاب الجاني قد يكون لعجزينا في القدرة أو لإهمال ينافي الحكمة فبين أن ثوابه وعقابه مع القدرة التامة، والحكمة البالغة، وليس كما قيل:
يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة ومن إساءة أهل السوء إحسانا
وقوله: لا عجز ولا اشقباح فإن كونه عزيزا غالبا ينفي العجز، وكونه حكيما ينفي استقباح فعله، ولذا قيل ليس قوله: إن تغفر لهم تعريضا بسؤاله العفو عنهم، وإنما هو لإظهار قدرطه على ما يريد وعلى مقتضى حكمه وحكمته، ولذا قال إنك أنت العزيز الحكيم تنبيها على أنه لا امتناع لأحد عن عزته فلا اعتراض! في حكمه وحكمته، ولم يقل الغفور الرحيم، وإن اقتضاهما الظاهر كما قال:
أذنبت ذنباعظيما وأنت للعفو أهل
فإن غفرت ففضل وان جزيت فعدل
قوله:(فإن المغفرة مستحسنة لكل مجرم الخ) في الكشاف ما قال إنك تغفر لهم، ولكنه
بني الكلام على أن غفرت فقال إن عذبتهم عدلت لأنهم أحقاء بالعذاب، وان غفرت لهم مع كفرهم لم تعدم في المغفرة وجه حكمة لأنّ المغفرة حسنة لكل مجرم في المعقول بل متى كان المجرم أعظم جرفاً كان العفو عنه أحسن يعني أنّ المغفرة، وان كانت قطعية الانتفاء بحسب الوجود لكنها لما كانت بحسب العقل تحتمل الوقوع واللاوقوع استعمل فيها كلمة إن فسقط ما يتوهم أن تعذيبهم مع أنه قطعيّ الوجود كيف استعمل فيه إن وأنما كان العفو أحسن لأنه أدخل في الكرم، وهذا لا ينافي كون العقوبة أحسن في حكم الشرع من جهات أخر، وعدم وقوع العفو بحكم النص، والإجماع، وفي كتب الكلام أنّ غفران الشرك جائز عقلاً عندنا وعند جمهور البصريين من المعتزلة لاًنّ العقاب حق الله على المذنب، وليس في إسقاطه مضرة فما ذكره في الانتصاف من أنّ هذا لا يوافق كلام أهل السنة، ولا المعتزلة ليس على ما ينيغي، وأما استعماله في الممتنع لذاته لنكتة أخرى فلا ينافي هذا، وبهذا التقرير علمت ما عني المصنف رحمه الله تعالى، وأنه ليس مخالفاً للكشاف كما توهم. قوله:(على أنه ظرف لقال وخبر هذا محذوف الخ) قراءة الجمهور بالرفع ظاهرة على الابتداء، والخبرية، وفراءة النصب خرجت على وجوه منها أنه ظرف