راجع إلى ذاته بمقتضى وصفه، وليس فيه ملاحظة لأوصافه، وان اتصف بها فالحكم متعقق بذاته فلا يفهم منه تسببه عرفا، واذا قيل إياك بدله نزل الغائب بواسطة أوصافه المذكورة الكاشفة له كما مرّ منزلة المخاطب في التميز والحضور، وأطلق عليه ما هو موضوع له، ففهم منه عرفا أن ذلك لتميزه بتلك الصفات ونظير إياك هنا اسم الإشارة الآتي في قوله أولئك على هدى، فإثبته له في الخطاب بطريق برهاني بخلاف الغيبة فلذا قال أدل. قوله:(نخصك بالعبادة إلخ) قال الفاضل الليثي: فيه تصريح بفائدة التقديم والخطاب والباء داخلة على المقصور لأنّ الاختصاص والتخصيص والخصوص يقتضي بحسب مفهومه الأصلي دخول الباء في المقصور عليه كقوله مخصوص بالمعبود يالحق، وهذا عربي كثير إلآ أن الأكثر في الاستعمال دخولها على المقصور ووجهه استعمال ماذة التخصيص في معنى التمييز أو التميز لكون تخصيص شيء بآخر في قوّة تمييز الآخر به أو تميز. به، وقد تبع في الشريف قدّس سرّه كما حققه في حواشيه على المطوّل حيث قال معنى نخصك بالعبادة نميزك، ونفردك من بين المعبودين فتكون العبادة مقصورة عليه تعالى، وكذأ قوله واختص بوا أي ميز المندوب عن المنادي بوا فتكون مختصة بالمندوب وكذا قوله تعالى:{يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء} أسورة آل عمران سا الآية: ٧٤] وبالجملة تخصيص شيء بآخر في قوّة تمييز الآخر، وأمّا أن يجعل التخصيص مجازاً عن التمييز مشهوراً في العرف حتى صار كأنه حقيقة فيه، وأمّا أن يجعل من باب التضمين، فيلاحظ المعنيان معا وتكون الباء
المذكورة صلة المضمن، ويقدر للمضمن فيه أخرى فيقال ونخصك بالعبادة مثلاً نميزك بها مخصصين إياها لك (وههنا بحثان (: الآوّل أنّ المصرّح به في كتب اللغة أنّ الباء تدخل على المقصور قال في الأساس خصه بكذا فاختص به، وفي مفردات الراغب: التخصيص تفرّد بعض الشيء بما لا يشاركه فيه الجملة، وكذا قال الجوهرفي خصه بالشيء فاتفقوا كلهم على تفسيره بالتفرّد والتميز وعلى إدخال الباء على المقصور، وهو الوارد في القرآن المجيد كقوله تعالى:{يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء}[آل عمران: ٧٤] فما الداير إلى ارتكاب التجوّز والتضمين مع ما في الثاني من التكلّف المخالف للمعهود في أمثاله وهو يكون لازما ومتعديا لمفعول بنفسه وللآخر بالباء، وقد يتعدى لمفعولين كقوله:
إن أمر أخصني عمدا مودّته
ويحتمل الحذف والإيصال، فقول الشارح المحقق: المعنى نخصك بالعبادة أي نجعلك منفرداً بها لا نعبد غيرك وهذا هو الاستعمال العربي ولو قال: نخص العبادة، لكان استعمالاً عرفياً انتهى هو الصواب فلله دره والعجب من المدقق بعدما سمع هذا قال ما قال {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ}[يونس: ٣٢] الثاني: القصر هنا حقيقيّ، فلا يتوهم أنه يكون لردّ خطأ المخاطب، ولا مجال له هنا لأنه في القصر الإضافي ومن لم يفرق بينهما فقد سها، وأعجب منه ما قيل إنه اعترض بأنّ المعنى نخص العبادة، وطلب المعونة بك لا نخصك بالعبادة، وكأنه نظر إلى أنهم علموا أنّ ذلك يكون لغير الله أو له ولغيره فقال: نخص العبادة بك قصر قلب على الأوّل، وافراد على الثاني، فوجب حمل كلام المصتف على القلب، وفيه أن ردّ الخطأ في القصر على المخاطب وهو هنا محال، وأجيب بأنه على سبيل التعريض، وهو غير صحيح كما سيأتي، وهو من قصر الفعل على المفعول قلبا لكن النظر في دفع الخطأ لم يندفع انتهى. قوله: (والترقي من البرهان إلى العيان) الترقي في أكثر النسخ بدون لام، ووقع في بعضها وللترقي مصرحا بها كما في بعض الحواشي، فلذا احتمل أن يكون معطوفا على قوله ليكون أو على الاختصاص، أو على أدل وهذا أبعدها، ولما ذكر أوّلأ المصحح للخطاب والالتفات أتبعه بالمرجح له، وهو أنه أدل على الاختصاص به تعالى كما مرّ، وفيه الترقي المذكور مع فوائد ونكات أخر مفصلة في المعاني قيل وكون ما خوطب به أو الخطاب أدل على الترقي، والانتقال محل نظر، فالوجه أن يعطف على مدخول اللام فيكون ين فوائد الخطاب لكن ترتبهما عليه ليس في الوجود الخارجي بل في الوجود العلمي فإن الترقي والانتقال المذكورين متقدمان على الخطاب، وهذا إذا أريد به الحالتان الداعيتان للخطاب، وأمّا إذا أريد بهما الترقي، والانتفال من حيث التعبير بالعبارة الدالة على الحالين فليسا بمتقذمين عليه، والعيان بكسر العين وفتحها خطأ هو مشاهدة العين