الجمل وشدة ارتباطها ويظهر كون اهدنا بيانا للمعونة فيتم الاتصال بين الجملتين ووجه التخصيص كمال احتياج والعبادة إلى طلب الإعانة لكونها على خلاف مقتضى النفس، وبكون العموم من حذف المتعلق وتنزيل الفعل بالنسبة إليه منزلة اللازم سقط ما يتوهم من أنّ الفعل لا عموم له كمصدره. قوله: (والضمير المستكن إلخ) المستكن بتشديد النون اسم فاعل من استكن بمعنى استتر هو بمعنى المستتر، وهو ضمير المتكلم مع الغير، ويكون للمعظم نفسه لتنزيله منزلة الجمع الكثير:
فالف س ألف منهموكواحد وواحد كالألف إن أمر عنا
ولكون هذا غير مناسب هنا قال المصئف رحمه الله: إنه له ولمن معه من الحفظة أي الملائكة جمع حافظ وليس المراد حفظة القرآن كما توهم أو للجماعة في الصلاة أو لسائر الموحدين، وأمّا تعميمه لسائر الخلق أو العقلاء فلا يناسب المقام وان قيل إنه الأقرب، لأنّ المشركين أيضا يعبدونه ويستعينون به، ولذا قيل إنه غفلة عما فيه من الحصر إذ هو غير متحقق في المشرك، وهو نكتة اختيار المصتف رحمه الله لفظ الموحدين على المؤمنين لى، فيه من الإشارة إلى توجيه الحصر، فلله دره ما أبعد مرماه وهذه الوجوه بعضها بالنسبة إلى المصلى وقراءتها في الصلاة، وهي المقدّمة اهتماما بها وبعضها بالنسبة لغيره، وقيل هي جميعها للمصلي الآ أنّ بعضها بالنسبة للمصلي مع الجماعة، وبعضها للمنفرد ثم بين وجهه والنكتة فيه. قوله: (أدرج عبادنه في تضاعيف عبادتهم) أي أدخلها في جملتها وأثنائها، وفي الأساس من المجاز هو في أضعاف الكتاب وتضاعيفه في أثنائه وأوساطه قال رؤبة:
والله بين القلب والاضعاف
يريد بواطن الإنسان وأحشاء. اهـ. ولم يفصح عن المراد بالتضاعيف، وأن مرد. ما هو،
وقد ذكره في شرح مقاماته قال التضاعيف جمع تضعيف بمعنى ضعيف وسمى الضعف بالتضعيف كما يسمى النبت بالتنبيت قال رؤبة:
وبلدة ليس بها تنبيت
اهـ وقد أوضحناه في كتابنا شفء الغليل ومن لم يقف على ما فصلناه قال بعدما فسره بما
مرّ لم يذكر في القاموس هذا المعنى للتضاعيف، ثم فسر أضعاف الكتاب بأثناء سطوره وحواشيه، فالظاهر أنه جمع تضعيف فإنه يدل على الكثرة والجمع للمبالغة والمقام يستدعيها، فالمعنى أدرج عبادته في عبادتهم الموصوفة بغاية الكثرة، إذ كلما كان المدرج فيه أكثر كان رجاء القبول ببركة الاندراج أكثر. قوله: (لعلها تقبل ببركتها (قيل ضمير لعلها لمجموع العبادة
والحاجة تنزيلاً لهما منزلة أمر واحد لتمام مناسبتهما فإنّ العبادة ما يتقرّب به العباد إلى ربهم وحاجتهم ما يطلبونه منه من الإعانة، وأيضاً العبادة وسيلة إلى حاجتهم في الجملة، وحاجتهم وسيلة إليها الجملة أيضاً، وهذا على تقدير تعميم الاستعانة، فإن خصت بالعبادة، فحاجتهم وسيلة إلى العبادة دون العكس، وضمير تقبل لعبادته، وضمير بركتها لعبادتهم، وضمير تجاب بصيغة المؤنث وبناء المفعول لحاجته وضمير إليها أي منضمة إليها لحاجتهم على طريق اللف والنثر المرتب، ويجوز أن يكون ضمير إليها لحاجته والظرف قائم مقام الفاعل، فإن إلى قد تكون صلة الإجابة كما في قول صاحب الكشاف ليستوجبوا الإجابة إليها، وقيل عليه: إن تكلفه ظاهر ؤقبول الحاجة مما لا صحة له بظاهره وليس بشيء فإنّ ما ذكره ظاهر لمن تأمّله، والحاجة هنا لما كانت دعاء كان قبولها ظاهرا، وما ذكر من تعدي الجواب بإلى كثير في كلام العرب كقوله:
وداع دعا يا من يجيب إلى الندا فلم يستجبه عند ذاك مجيب
فلا حاجة لإثباته بعبارة الزمخشريّ يعني أنه لما خلط أموره بأمور غيره ممن يقبل منه
ذلك كان ذلك أدعى لقبولها، فإنّ كرمه تعالى يأبى قبول بعض وردّ بعض ونظروا له بما إذا اشترى أحد ثيابا في صفقة واحدة ووجد بعضها معيبا، فليس له ردّ المعيب بل إنما يردّ الجميع، أو يقبل الجميع، فكأنه يقول إلهي رفعت حاجتي مع حاجة خلص عبادك، فاقبلها مني ببركتهم وجملة لعلها مستأنفة أو حال من ضمير إدرج، وخلط أي راجياً ذلك وأيضا في تغليب المخلصين على غيرهم تحاس عن وصمة الكذب بين يدي مالك الملك لأنه قصر الاستعانة عليه تعالى وكثيراً ما يستعان بغيره فيكون فيه مظنة الكذب، وبهذا يسلم منها حتى قال مالك بن دينار