الخطاب فإنه لدلالته على الأوصاف يدل على الحصر كما مرّ، ولا يندفع هذا بأن يقال إنه إسناد له إلى أقوى شيء يمكن استناده إليه وأظهره إذ هذه الدعوى غير ظاهرة، وغير مسلمة عند بعضى النحاة كما بيناه، ولذا قيل: إنه ليس باستدلال بل استثناس له، وتقديم لذلك ليس للحصر بل للاهتمام لكون الدلالة مقصودة، وكون لعلة متقدمة في الوجوه. قوله:(وتقديم ما هو مقدّم في الوجود) وفي نسخة المقدم بالتعريف، والمقدم في الوجود مدلول إياك لأنه القديم الواجب وجوده قبل كل موجود فجعل لفظه موافقا لمعناه وهذا إمّا معطوف على التعظيم أو الدلالة ويجوز أيضا عطفه على الحصر ولكونه خلاف الظاهر لم يذهب إليه أرباب الحواشي مع أنه أورد على ما قبله أنّ التقديم المذكور ليس علة للتقديم حقيقة، وانما العلة كونه ضدّماً في الوجود، أو تقدم ما هو مقدم في الوجود في العبارة وهذا أبعد من نحو ضربته للتأديب، وإن اشتركا في أنّ المعلل والعلة واحد في الحقيقة والعلة في الحقيقة أثر المذكور أي التقدم، والتأدب لنوع اشتراك في المفهوم إلاً أن يقال التقديم هنا بمعنى التقدم على أنه مصدر المبنيّ للمفعول أي لكونه مقذما، أو يؤخر من قدم بمعنى تقدم لوروده في اللغة إذ حصول تقديم ما هو مقذم في الوجود غاية لتقدم المفعول أو يحصل ضمنه كما إذا قدم زيد العالم في مجلس يقال قذم زيد على غيره لتقديم العالم، وقيل أيضاً تقديم ما هو المقدم عليه لتقدم المفعول لا العكس كما يقتضيه التركيب الآ أن يقال: إنه من قبيل ضربته للتأديب لا من قبيل قعدت عن الحرب جبناً، والمعنى قدم المفعول ليتحقق تقا- يم ما هو المقدّم في الوجود فتأمّل. قوله: (بل من حيث " أنها نسبة شريفة إليه) النسبة معناها في اللغة الوصلة بالقرابة فتجوّز بها هنا عن مطلق الوصلة ولذا عطفها المصنف رحمه الله عليها عطفا تفسيريا، فالمراد بها التقرّب إلى الله بطاعته وهو وصلة معنوية، وحقيقة العبادة كما في كتاب النثأتين للراغب فعل اختياري مناف للشهوات البدنية يصدر عن نية يراد بها التقرّب إلى الله طاعة للشريعة، وجعلها نفس النسبة، والوصلة مبالغة في تقريبها إلى الله، فما قيل من أنّ في النسبة هنا استعارة فشبه ما بين العابد والمعبود، بما بين الطرفين من الارتباط تكلف مستغنى عت "، وكذا ما قيل من أنّ التنبيه عليه حصل من هيئة تركب الفعل مع المفعول به. قوله:(فإن العارف إنما يحق وصوله إلخ) العارف عند أهل السلوك من أشهده الله ذاته وأسماءه وصفاته وأفعاله، وأمّا في اللغة والعرف فأشهر من أن يذكر، ويحق بفتح ألياء وضم الحاء وكسرها بصيغة المعلوم بمعنى يثبت، ويتحقق ويقع بلا شك، وفعله لازم أو هو من حق بمعنى أوجب، فالوصرل مفعوله واستغرق بمعنى تمحض
معرضاً عن غير ما استغرق أ، وهو إمّا من الاستغراق بمعنى الاستيعاب لاستيعاب أوفاته، أو نظره في ذلك، أو بمعنى اشتغل به، وتفرّغ عن غيره، وفي القاموس فلأنه تغترق نظرهم أي تشغلهم بالنظر إليها عن النظر إلى غيرها لحسنها، والملاحظة من لاحظته ملاحظة، ولحاظا بمعنى رأقبته وأصله النظر باللحظ وهو مؤخر العين يقال لحظته بالعين ولحظت إليه لحظا، والجناب بالفتح الفناء والجانب والقدس بضم القاف والدال وتسكن في اكثر الأفصح بمعنى النزاهة والطهارة، وجناب النزاهة عبارة عنه سبحانه وتعالى بمعنى المقدس، وحظيرة القدس الجثة كما قاله الراغب. وقوله:(حتى أنه إلخ) غاية لاستغراقه لأنه إذا استغرق غاب عن ذهنه كل شيء حتى نفسه. قوله:(١ لأ من حيث إلخ الما كان قوله: فإنّ العارف إلخ تعليلاً لقوله: ينبغي لأنّ العابد إمّا عارف أو بصدد أن يكون عارفاً وعلى الأوّل الاستغراق مقتضى حاله وعلى الثاني هو طالب لأن يكون حاله. وقوله: (من حيث أنها إلخ) ملاحظة إن كان بكسر الحاء اسم فاعل فضمير إنها راجع للنفس وضمير له للجناب كما في بعض الحواشي، وإن كان بفتحها فهو مصدر وفسمير أنها للملاحظة المفهومة من يلاحظ كما ذهب إليه بعض المحشن، وما ارتكبه دعاه إليه تصحيح الحمل والمعنى حينئذ لا يلاحظ نفسه وأحوالها إلاً من حيث أنّ ملاحظتها ملاحظة للمعبود واستبعده بعضهم وقال الأولى أنّ المعنى إلاً من حيث أنّ النفس، وأحوالها اكة ملاحظة له تعالى، ومرآة تشاهد فيها، كما هو شأن كل مصنوع غايته أنه جعل آلة الشيء نفسه مبالغة في كونه آلة ومثله شائع وهو تكلف، وقوله ومنتسبة بالواو