يقال لها ارجعي من مطلعك فتلخص من هذا إنّ الآية المانعة من قبول الإيمان والتوبة إنما هي طلوع الشمس من مغربها، وهو الصحيح عند المفسرين والمحذثين والأحاديث الأخر غير منافية لها أمّا من جعلها عدة آيات فهي آخرها المتحقق بها ذلك، وأما كونها إحدى آيات فهي محمولة على المعينة في الحديث لأنها أعظمها وإنما أخفاها الله كما أخفى علم الساعة حثا لهم على تقديم التوبة كما أخفى ساعة الإجابة وليلة القدر، وأما كون التوبة تقيل
بعدها إذا تراخى العهد فهو حق كما قبل إيمان أبوى النبيّ صلى الله عليه وسلم بعد الغرغرة، ومشاهدة أهوال البرزخ وإن توقف فيه بعض مشايخنا وإنما ذكرنا هذا مع طوله لأنه من أنفس الذخائر التي يجب حفظها في كنوز الدفاتر. قوله:(والإيمان برهانئ) أي عيني ليعمّ التقليد وقرينة المجاز مقابلته بالعياني، وعبر عنه بالبرهاني لأنّ حقه أن يكون كذلك واعلم أنّ الآيات المذكورة منها ما هو موجود كالدجال والدابة والخسف والنار، ومنها ما هو ممكن غير خارق للعادة فعلم وجه اختصاصها بطلوع الشمس من مغربها فاعرفه. قوله:(وقرئ تنفع بالتاء الخ) قال اً هل العربية المضاف يكتسب من المضاف إليه أمورا منها التذكير والتأنيث لكن في المغني شرط هذه المسألة صلاحية المضاف للاستغناء عنه، ومن تمت ردّ ابن مالك رحمه الله في التوضيح قول أبي الفتح بن جني في توجيه قراءة أبي العالية لا تنفع نفسا إيمانها بتأنيث الفعل إنه من باب قطعت بعض أصابعه لأنّ المضاف لو سقط هنا لقيل نفسا لا تنفع بتقديم المفعول ليرجع إليه الضمير المستتر المرفوع الذي ناب عن الإيمان في الفاعلية، ويلزم من ذلك تعدي فعل المضمر المتصل إلى ظاهره نحو زيداً ظلم تريد أنه ظلم نفسه وذلك لا يجوز اهـ.
(أقول) هذا عجيب منه فإنه أخذ الضاز من كلامه وترك النافع منه فإنه قال بعد هذا وقد
يصحح قول ابن جني بأن يجعل لسريان التأنيث من المضاف إليه إلى المضاف سبب آخر وهو كون المضاف شبيهاً بما يستغنى عنه، فالإيمان وان لم يستغن عنه في لا ينفع نفسا إيمانها يستغنى عنه في سرتني إيمان الجارية فيسري التأنيث إليه لوجود الشبه كما يسري إليه بصحة الاسنغناء عنه، ويؤيده قول ابن عباس رضي الله عنهما: اجتمع عند البيت قرشيان وثقفي كثيرة شحم بطونهم قليلة فقه قلوبهم فسرى تأنيث البطون والقلوب إلى الشحم والفقه مع أنهما لا يستغنى عنهما بما أضيف إليهما لكنهما شبيهان بما يستغنى عنه في نحوأعجبتني شحم بطون الغنم، ونفعت الرجال فقه قلوبهم وقد يكون تأنيث كثيرة وقليلة بتأويل كتاويل الشحم بالشحوم والفقه بالفهوم، اهـ فالمراد بالاستغناء الاستغناء حقيقة أو حكما مع أنه على تقدير السقوط لا يلزم إجراء أحكام السقوط بالفعل، كما مرّ في أنّ المبدل منه قد يكون ضميرا رابطا وأمّا قول النحرير: إنهم عنوا بالبعض ما يكون أعمّ من أجزاء الذات وصفاتها القائمة بها، فكأنه عنى هذا وإلا فلا يخفى ما فيه وقال أبو حيان: إنه أنث بتأويل الإيمان بالعقيدة والمعرفة مثل جاءته كتابي فاحتقرها على معنى الصحيفة وتبعه من قال: أريد بالإيمان المعرفة، ويرشدك إليه قراءة لا تنفع بالتاء وبكسب الخير الإذعان والقبول، ونحن معاشر أهل السنة نقول بموجبه من أنّ الإيمان النافع مجموع الأمرين فلا حجة فيه للمخالف لأنّ مبناه على حمل الإيمان على المعنى الاصطلاحي المخترع بعد نزول القرآن، وتخصيص الخير بما يكون بالجوارح، وكل منهما
خلاف الأصل، وفيه نظر. قوله:(وهو دليل الخ) قالت المعتزلة: الآية دالة على عدم الفرق بين النفس الكافرة إذا آمنت عند ظهور أشراط الساعة، وبين النفس التي آمنت من قبلها، ولم تكسب خيرا يعني إنّ مجزد الإيمان بدون العمل لا ينفع والاعتراض بأنّ أحد الأمرين في سياق النفي يفيد العموم كالنكرة على ما ذكر في قوله تعالى:{وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا}[سورة الإنسان، الآية: ٢٤] فعدم النفع يكون للنفس التي لم يكن منها الإيمان ولا كسب الخير مدفوع بأنه لا يستقيم هنا لأنه إذا انتفى الإيمان انتفى كسب الخير في الإيمان، والحاصل أنّ أو إذا وردت في النفي فهو لنفي أحد الأمرين فإن اعتبر عطف أحد الأمرين على الاخر ثم سلط النفي عليه يفيد شمول العدم عند الإطلاق إلا إذا قامت قرينة حالية اً ومقالية على أنه لا يقاع أحد المعينين فحينئذ يفيد الشمول كما في هذه الآية لأنّ اشتراط أحد الأمرين