والصيغة مجموع المادّة والهيئة، وكونه أبلغ لدلالته على الثبوت دون الحدوث، وأبلغية المستقيم باعتبار زيادة الحروف، وفيه ما مرّ الكلام فيه في الرحمن الرحيم، وقيل لأنّ السين للطلب فيفيد طلب القيام واقتضاءه والقيم الثابت المقوّم لأمر المعاس والمعاد والظاهر أنّ المستقيم هنا من استقام الأمر بمعنى ثبت والا فلو اختلف معناهما لا يتأتى ما ذكره المصنف، وقوله:(فاعل لإعلال فعله (وهو قام كما في نحو عياذ فقيم مصدر كالصغر والكبر، وفعله قام يقوم فأعلوه لإعلال فعله ولولا ذلك لصح كعوض، وحول لأنهم لم يجروه يعني لم يقع على بناء يشبه بناء الفعل حتى يعل بالحمل عليه لأنّ أصل الإعلال للأفعال ويعل من الأسماء ما شابهها وزنا لكنه مصدر تبع فعله في الإعلال كما هو القياس كما فصل في المفصل وشروحه وجعلت الملة عطف بيان لتوضيحه، وهذا بناء على جواز تخالفهما تعريفا وتنكيراً كما في المغني أو منصوب بتقدير أعني. قوله: (حتيفاً حأل) قال النحرير: حنيفا حال من المضاف إليه للإطباق على جواز كذلك إذا كان المضاف جزءاً من المضاف إليه أو بمنزلة الجزء حيث يصح قيامه مقامه نحو اتبعوا إبراهيم إذا اتبعوا ملته ورأيت هنداً إذا رأيت وجهها بخلاف رأيت غلام هند قائمة، واختلفوا في عامل مثل هذه الحال فقيل معنى الإضافة
لما فيه من معنى الفعل المشعر به حرف الجز كأنه قيل ملة نسبت لإبراهيم حنيفاً والصحيح إنّ عاملها عامل المضاف لما بينهما من الاتحاد بالوجه المذكور وأمّا مثل أعجبني ضرب زيد راكبا فلا كلام في جوازه وكون عامله هو المضاف نفسه اهـ، وأورد عليه أنه إذا كان العامل معنى الإضافة بتلك الطريق فلا معنى لتخصيص، ذلك بما إذا كان المضاف جزءا أو كجزء، فيلزم تجويزها من كل مضاف إليه، وهو باطل ولك أن تقول النسبة خصوصا غير التامّة عامل ضعيف فلما كانت نسبة الجزء، وشبهه أقوى من غيرها خصت بالعمل فهذا قياس مع الفارق، ومثله يكفي في العلل النحوية. قوله:(وما أنا عليه الخ) يريد أنّ المحعى والممات، أريد بهما مجازاً ما يقارنهما ويكون معهما من الإيمان والعمل الصالح لأنه المناسب لوصفه بالخلوص لله. قوله:(وقرأ نافع الخ) وفيها الجمع بين ساكنين، ولذا طعن بعضهم إنه رجع عن هذه القراءة حتى قال أبو شامة رحمه الله لا يحل نقلها عنه، وفي رواية إنه كسر الياء كقراءة حمزة وصرّج بالكسر وستأتي، وقرأ الجحدري محي بقلب الألف ياء وهي لغة هذيل.
(أقول) ما قاله أبو شامة مردود فإنّ هذه القراءة ثابتة عنه، وقوله في التيسير الياء موقوفة ولم
يقل ساكنة إشارة إلى توجيه هذه القراءة بأنه نوى فيها الوقف فلذا جاز فيها التقاء الساكنين وبها قرأ مشايخنا. قوله:(خالصة) يحتمل أنه بيان لمتعلق خاص أو لمعنى اللام أو لحاصل الكلام لأنّ لله ولوجه إلله يدلّ على ذلك، وقوله:(لا أشرك فيه غيرا) بيان له بحسب المقام، وقوله وبذلك القول فيكون أمره بقل المذكور لا بقول آخر وعلى الثاني يحتمل إنه أمر آخر. وقوله: لآن إسلام كل نبي متقدّم على إسلام أمّته واليه الإشارة بقوله في الحديث: " أوّل ما خلق الله نوري "(١) . قوله:(فأشركه في عبادته الخ) قيل تقديم غير الله لا يصح أن يكون للاختصاص لأنه حينئذ ليس إشراكا للغير بل توحيد، فنبه بقوله فأشركه على أنّ التقديم ليس للاختصاص بل لأنّ الإنكار ليس في بغية الرب بل في بغية الغير، ولا يبعد أن يقال ذكر في رذ دعوته إلى الغير رذ
الاختصاص تنبيهاً على أنّ إشراك الغير ينافي بغية الله إذ لا بغية له إلا بتوحيده ثم إنّ نفي البغية والطلب أيضاً أبلغ في نفي العبادة، وقال العلامة: أغير الله أبغي ربا جواب لأن التقديم فيه لحصر إنكار الربوبية في غير الله وكل حصر فيه جوأب عما أخطأ فيه السامع، ولهذا قال ولا تكسب كل نفس إلا عليها الخ جواب وفي الكشف الاختصاص نشأ من التقديم أو من أداة الحصر، وهو يقتضي سوق الكلام مع منكر وهو دقيق يحتاج إلى تأنل. قوله:(فلا ينفعني في ابتغاء رب غيره ما أنتم عليه) جعله من حملة الجواب عن دعائهم إلى عبادة ا-لهتهم يعني لو أجبتكم إلى ما دعوتموني إليه لم أكن معذوراً بأنكم سبقتموني إليه، وقد فعلته متابعة لكم ومطاوعة فلا يفيدني ذلك شيئا ولا ينجيني من الله لأنّ كسب كل أحد وعمله عائد إليه، ولا يرد أنّ الكسب وان قارن على بمعنى المنفقة لمقابلته لقوله ولا تزو الخ إذ هو للمضرة فالمعنى ولا تكسب كل نفس منفعة إلا أن تكون تلك المنفعة