الإمام رحمه الله: إن حملنا هذه الصفات على الأصنام فالمراد من كونها ناظرة كونها مقابلة بوجوهها أوجه القوم، وان حملناها على المشركين فالمعنى أنهم وإن كانوا ينظرون إليك فإنهم لا ينتفعون بالنظر والرؤية فصاروا كأنهم عمي، وقيل يشبهون من باب الأفعال أي يشابهونهم ففيه إشارة إلى أنه استعارة تصريحية تبعية بأن يشبه مالهم من الهيثة بالنظر فتطلق عليه أو مكنية، ولا يجب أن تكون قرينة المكنية التخييلية، وفيه بحث وخطاب تراهم للنبيّ-يخت أو لكل واقف عليه والرؤية بصرية أو علمية. قوله:(خذ ما عفا لك الخ (أي العفو صدر عفا بمعنى سهل، وتيسر وأريد به ما يتيسر وخذ بمعنى أقبل وأرض مجازاً أي أرض منهم ما تيسر من أعمالهم، ولا تدقق وتشدد والجهد بمعنى المشقة أو المراد بالعفو ظاهره أي اعف عمن أذنب، وفيه استعارة مكنية إذ شبه العفو بأمر محسوس يطلب فيؤخذ. قوله: (أو الفضل وما يسهل الخ (أي المراد أن يأخذ من صدقاتهم ما عفا أي سهل عليهم وهو الفضل أي الزائد عن نفقتهم ولوازمهم والمتبادر من الأخذ أخذ المال ونحوه، والإمام ليس مأمورأ بأخذ الصدقات ليصرفها في مصارفها بل بأخذ الزكاة فدل ذلك بالقرينة العقلية على أنه كان ذلك بمنزلة الزكاة فيكون قبل وجوبها فلا يقال إنه تقييد من غير دليل بعينه، وقال الجوهريّ: العفو ما فضل عن النفقة من المال. قوله: (فلا تمارهم ولا تكافئهم الخ) المماراة المجادلة والمكافأة أن تفعل به كما فعل بك أو تنتقم منه، وكون الآية جامعة لمكارم الأخلاق ظاهر، وقد فسر هذا في الحديث القدسي لما سأل النبئ صلى الله عليه وسلم عنها جبريل عليه الصلاة والسلام فسأل رب العزة ثم رجع فقال يا محمد آنّ ربك أمرك أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك، وعن جعفر الصادق أمر الله نبيه ىشي! بمكارم الأخلاق، وليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق منها، وفي الحديث " بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " وكان خلقه عخي! القرآن: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}[سورة القلم، الآية: ٤] فقيل إن زبدة الحديث مفسرة لزبدة الآية فإن زبدتها تحرّي حسن المعاشرة مع الناس، وتوخي بذل المجهود في الإحسان إليهم والمداراة معهم والإغضاء عن مساويهم لكن القرآن مادّته عائة، والحديث القدسي ماذته خاصة، وقد علم كل أناس مشربهم فافهم. قوله:(يتخسنك منه نخس) إشارة إلى أن الإسناد مجازي لجعل المصدر فاعلا كجد جذه وقيل النزع بمعنى النازغ فالتجوّز في الطرف والأوّل أبلغ وأولى، وفيه مجاز آخر سيجيء، وقوله تحملك على خلاف ما أمرت بيان لارتباط الآية بما قبلها، وجعل النزغ والنسغ بالسين المهملة، والعين
المعجمة والنخس مترادفة وفسرها بالغرز بغين معجمة وراء مهملة وزاي معجمة، وهو إدخال الإبرة، وطرف العصا وما يشبهه في الجلد كما يفعله السائق لحث الدواب، وقوله: كاعتراء غضب أي عروضه والمراد بالفكرة ما يعرض للفكر مما يمنع ذلك بتخييل محذور فيه. قوله:(شبه وسوسته للناس إغراء الخ (فهو استعارة تبعية فأصلية لتشبيه الإغراء بالغرز المذكور كما أنّ فيه إسنادا مجازيا، وقوله للناس بيان لمعنى مطلق النزغ العائم في الناس غيره صلى الله عليه وسلم، وأما نزغ الشيطان له فهو الغضب والفكر كما مرّ، وهو داخل في الإزعاج لأن المراد به كل ما يقلق النفس، وهو وجه الشبه بين النزغ والوسوسة وهو لا يخالف ما في الكشاف كما توهم ففيه استعارة تبعية. قوله: (يسمع استعاذتك الخ) المراد بالسماع ظاهره، وخصه لمقتضى المقام أو القبول والإجابة للدعاء بالاستعاذة، وقوله فيحملك يعني المراد من علمه بذلك وهو بكل شيء عليم إنه يوفقه له ويحمله عليه كما أن المراد من علمه بأفعالهم مجازاتهم عليها، ومشايعة بشين معجمة وياء تحتية مثناة وعين مهملة متابعته في الغضب، ونحوه لأن التابع من شيعة المتبوع. قوله: (لمة منه وهو اسم فاعل الخ (اللمة بفتح اللام من لم به إذا جاءه، ومنه إلمام الزيارة والمراد وسوسته، وهو على هذه القراءة اسم فاعل من طات بالشيء إذا دار حوله وجعل تلك اللمة طائفا لأنها وان جعلها مساً لا تؤثر فيهم فكأنها طافت حولهم ولم تصل إليهم، فلا يرد عليه ما قيل إنّ مسهم يدل على الإصابة، أو هي من طاف طيف الخيال إذا عرض لفكره فالمراد بالطائف الخاطر، وقراءة طيف على المصدرية أو هو مخفف طيف من طاف يطيف