ويقابله الهداية، ولما كان ما مرّ من تنويع مراتبها يقتضي تنوع
ما هنا أيضاً أشار إلى أنه لا ينضبط، ولا يعتنى به مع أنه قد يهتدي له من التقابل، وفي قوله عرض عريض مبالغة ليل أليل حيث أثبت للعرض عرضاً وما في قوله ما بين زائدة، وأدنى الضلال أقله إثماً كالزلات وأقصاه أعظمه، وهو الكفر قال تعالى:{إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}[لقمان: ١٣] . قوله:(وقيل المنضوب إلخ) قيل هذا ضعيف لأنّ منكري الصانع والمشركين أخبث ديناً من اليهود والنصارى، فكان الاحتراز عن دينهم أولى.
(وأتول) الغضب والضلال، وردا جميعاً في القرآن لجميع الكفار على العموم حيث قال:
{وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللهِ}[ادنساء: ٦٧١] وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللهِ قَدْ ضَلُّواْ ضَلاَلاً بَعِيدًا}[النساء: ١٦٧] ولليهود والنصارى جميعا على الخصوص حيث قال في حق اليهود من لعنه الله وغضب عليه إلخ. وفي حق النصارى {وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ}[المائدة: ٧٧] كما في التيسير فالاستشهاد بهاتين الآيتين على أنّ المراد بالمغضوب عليهم اليهود وبالضالين النصارى ليس بسديد انتهى.
وقد قيل: على ما ذكره أوّلاً أن ابن أبي حاتم رحمه الله قال: لا أعلم خلافاً بين المفسرين في تفسير المغضوب عليهم باليهود والضالين بالنصارى (١) كما صححه ابن حبان والحاكم وحسنه الترمذي، وأخرجه جم غفير من المحدّثين كما قاله في الدرّ المنثور فهذا لا يصدر إلاً ممن لا إطلاع له على أقوال المفسرين والمحدّثين أعاذنا الله من الجراءة على تفسير كتابه، وقد يقال أيضا: من لا ملة له لا اعتداد به وهؤلاء أشدّ في الكفر والعناد وأعظم في الخبث والفساد، ولذا ضربت عليهم الذلة، وخص النصارى بالضلال لفرط جهلهم في التثليث ولكونهبم أقرب من اليهود للإسلام وصفوا بالضلال لأنّ الضالّ قد يهتدي. قوله:(لقوله تعالى فيهم {مَن لَّعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ}[المائدة: ٦٠] فيهم ليس من لفظ التلاوة بل من كلام المصتف رحمه الله ومعناه في حقهم وشأنهم وهكذا صحح في النسخ كما قاله بعض الفضلاء، ووقع في بعضها منهم بدل فيهم وهو تحريف من الناسخ، فلذا اعترض عليه بأنّ الآية في سورة المائدة وليس فيها منهم، فهو غلط في التلاوة والاستشهاد بالآيتين بناء على أنه ورد عن السلف تفسيرهما بذلك لما مرّ، فلا وجه للاعتراض على المصئف رحمه الله بأنّ الغضب والضلال مما وصف به الكفرة مطلقاً في مواضع كثيرة من القرآن كما في بعض الحواشي. وقوله: (وقيل إلخ) وقع في بعض النسخ بدون واو عاطفة، على أنها جملة مستأنفة لنقل بعض الأقاويل، وفي بعضها بها عطفا على ما علم من السياق من الإطلاق لوقوعه في
مقابلة من أنعم عليه بالنعمة المطلقة، وهي نعمة*الإيمان كما مرّ وفي بدائع ابن القيم ليس المراد بهذا التفسير التخصيص، فإنّ اليهود ضالون والنصارى مغضوبون، وإنما ذكر كل طائفة بأشهر صفاتها، وأخصها وفيه نظر. قوله:(وقد روي مرفوعاً إلخ) أخرجه أحمد في مسنده وحسنه ابن حبان في صحيحه عن عدفي بن حاتم وأخرجه ابن مردوية عن أبي ذرّ رضي الله عنهما بلفظ سالت وسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله غير المغضوب عليهم قال: " هم اليهود ولا الضالين قال النصارى "(١) وأخرجه ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما وابن مسعود رضي الله عنه وقال ابن أبي حاتم: لا أعلم فيه خلافا عن المفسرين، فهذه حكاية إجماع منهم فكيف يعدل عنه بالرأي. قوله:(ويتجه إلخ) أي يسنح، ويظهر ظهوراً موجها وقيل معناه أنه لو فسر بهذا كان كلاماً موجها، وأن خالف ما عليه الجمهور ففيه إيماء إلى أنه ليس أولى كما قاله الإمام رحمه الله، فإنه اختاره في تفسيره فالمنعم عليه العالم العامل وأراد بالحق العقائد الثابتة في نفس الأمر المطابقة للواقع، وعبر عنها بذلك لأنها مقصودة لذاتها والتصديق بها لا للعمل كالفروع الشرعية، وتسمية هذه خيراً ظاهر، وفي ترك التعبير عنها بالحق إشعار بانها خير، وإن أخطأ المجتهد فيها إذ يثاب على العمل بها، ولم يذكر الشرّ للاجتناب عته كما في قوله تعالى:{وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} أسورة البدد: ١٠] أي طريقي الخير والشر لدخوله في الخير بهذا الاعتبار واستلزام معرفته وقيل المراد بالحق ذاته تعالى وصفاته والذي عناه المصنف رحمه الله ما مرّ، وهو الموافق للأية الآتية وقوله لذاته متعلّق بالمعرفة، والمراد من كون المخل بالعمل مغضوباً عليه أنه مستحق لذلك عدلاً، فلا ينافي العفو تفضلاً وكرما، فسقط ما توهم من أنّ الغضب الانتقام أو إرادته، وإرادة الله لا تتخلف عن المراد، فيلزمه القطع