وقد تقدم تفصيله في أوّل سورة البقرة. قوله:(نظمت نظما محكماً الخ) فسره بقوله لا يعتريه اختلال أي لا يطرأ عليه ما يخل بلفظه ومعناه، وعبر بالمستقبل لأنّ الماضي والحال مفروغ عنه، وذكر فيه وجوهاً أربعة أوّلها أن يكون مستعاراً من أحكام البناء، واتقانه فلا يكون فيه تناقض أو تخالف للواقع والحكمة أو ما يخل بالفصاحة والبلاغة الثاني أن يكون من الأحكام، وهو المنع من الفساد، وفسره بالنسخ لبعضه من غيره أو لكله كالكتب السالفة فعطفه عليه تفسيرفي فلذا بينه بقوله فإن الخ. فهو من أحكمه بمعنى منعه ومنه حكمة الدابة لحديدة في فمها تمنعها الجماج، ومنه أحكصت السفيه إذا منعته من السفاهة كما قال جرير:
أبني حنيفة أحكمواسفهاءكم إني أخاف عليكم أن أغضبا
قيل فكان ما فيه من بيان المبدأ والمعاد بمنزلة دابة منعتها حكمتها من الجماج فهي تمثيلية أو مكنية، وهو ركيك فإنّ تشبيهه بالدابة مستهجن لا داعي له وبعد تفسيره بالنسخ لا يرد عليه ما قيل إنه يوهم قبوله للفساد وهو لا يليق بالقرآن ولم يجوّز في هذا أن يراد بالكتاب القرآن والمراد عدم نسخة كله أو بعضه بكتاب آخر لأنه خلاف الظاهر وإن صح، والثالث من المنع أيضا لمنعه من الشبه بالأدلة الظاهرة، والرابع من حكمته أي جعلته حكيمآ أو ذا حكمة والمراد حكيم قائلها كما في الذكر الحكيم فهو مجاز في الطرف أو الإسناد وقوله من حكم بالضم إشارة إلى أنّ الهمزة فيه للنقل من الثلاثيّ بخلاف ما قبله، وذلك لاشتماله على أصول
العقائد والأعمال الصالحة، والنصائح والحكم وأمّهات بمعنى أصول، وقواعد يتولد منها غيرها. قوله:(بالفرائد من العقائد) قال الراغب الفصل إبانة أحد الشيئين عن الآخر حتى يكون بينهما فرجة ومنه المفاصل وفصل عن المكان فارقه ومنه فصلت العير وفي الكشاف فصلت كما تفصل القلائد بالفرائد من دلائل التوحيد والأحكام والمواعظ والقصص أو جعلت فصولاً سورة سورة وآية آية أو فرّقت في التنزيل فلم تنزل جملة واحدة ليسهل حفظها أو فصل فيها ما يحتاج إليه العباد أي بين ولخص وعن عكرمة والضحاك ثم فصلت أي فرّقت بين الحق والباطل يعني أنه إمّا استعارة من العقد المفصل بفرائده أي كباره التي تجعل بين اللآلئ التي تغاير حجمه أو لونه فشبهت الآيات بعقد فيه لآلئ وغيرها لتغاير النفائس التي اشتملت عليها إلى قصص وأحكام، ومواعظ وغيرها، وقوله من دلائل الخ متعلق بقوله فصلت لا بيان للفرائد حتى يقال إنّ الصواب ما وقع في بعض النسخ فوائد بالواو والتقدير فصلت لأنواع من دلائل التوحيد الخ، وهي في حواشي المصنف رحمه الله تعالى بالراء أو أنها جعلت فصلا فصلاً من السور أو الآيات أو فرّقت في النزول أو هو من الإسناد المجازي والمراد فصل ما فيها، وبين فهذه أربعة وجوه في التفصيل أيضاً والتلخيص بمعنى التبيين لا بمعنى الاختصار كما بين في اللغة، وعلى هذا ينزل كلام المصنف رحمه الله تعالى إلا أنه على إرادة التفصيل بجعلها سور المراد بالكتاب القرآن وبالآيات آياته، وان قيل إنه يصح أن يراد السورة على أن المعنى جعلت معاني آيات هذه السورة في سور، ولا يخفى أنه تكلف ما لا حاجة إليه، وقوله وقرئ ثم فصلت أي بفتحتين خفيفتين وهي قراءة ابن كثير، ومعناه فرقت كما ذكره المصنف رحمه الله وقيل معناه انفصلت وصدرت كما في قوله ولما فصلت العير وسيأتي بيانه. قوله: (وثئم للتفاوت في الحكم أو للتراخي في الأخبار (لما كان التفصيل والأحكام صفتين لشيء واحد لا تنفك إحداهما عن الأخرى لم يكن بينهما ترتب وتراخ فلذا جعلوه إمّا لتراخي الرتبة، وهو المراد بقوله في الحكم أو للتراخي بين الإخبارين وقد أورد عليه أنه إذا أريد بتفصيلها إنزالها نجما نجما تكون ثم على حقيقتها فمع تحقق الحقيقة لا وجه للحمل على المجاز وبأن الأخبار لا تراخي فيه إلا أن يراد بالتراخي الترتيب مجازا أو يقال بوجود التراخي باعتبار ابتداء الجزء الأول وانتهاء الثاني ولا يخفى عليك أنّ الآيات نزلت محكمة مفصلة فليست ثم للترتيب على كل حال كما صرّح به العلامة في شرحه، وليس النظر إلى فعل الأحكام والتفصيل، وأفا التراخي بين الإخبارين فلما مرّ في أوائل سورة البقرة في ذلك الكتاب من أنّ الكلام إذا انقضى فهو في حكم البعيد ففيه ترتيب اعتباري