وهو المراد كما أشار إليه الشارح المدقق إذا عرفت هذا فاعلم أنه قال في
الكشف إن أريد بالأحكام أحد الأولين وبالتفصيل أحد الطرفين فالتراخي رتبيّ لأنّ الأحكام بالمعنى الأوّل راجع إلى اللفظ والتفصيل إلى المعنى والمعنى الثاني وان كان معنويا لكن التفصيل إكمال لما فيه من الإجمال، وان أريد أحد الأوسطين فالتراخي على الحقيقة لأنّ الأحكام بالنظر إلى كل آية في نفسها، وجعلها فصولاً بالنظر إلى بعضها مع بعض أو لأنّ كل آية مشتملة على جمل من الألفاظ المرصعة، وهذا تراخ وجوديّ، ولما كان الكلام من السيالات كان زمانيا أيضاً، ولكن المصنف رحمه الله آثر التراخي في الحكم مطلقاً حملا على التراخي في الأخبار في هذين الوجهين ليطابق اللفظ الوضع وليظهر وجه العدول عن الفاء إلى ثم وان أريد الثالث وبالتفصيل أحد الطرفين فرتبي وألا فإخبارقي، والأحسن أن يراد بالإحكام الأوّل وبالتفصيل أحد الطرفين وعليه تنطبق المطابقة بين حكيم وخبير، وأحكصت وفصلت، وهي ثابتة على الوجوه الثلاثة في من لدن لكن جعلها صلة للفعلين أرجح، وذلك لتعلق أن لا تعبدوا بهما على الوجهين، وأفاد سلمه الله أن أصل الكلام أحكم آياته حكيم ثم أحكمها حكيم على نحو:
ليبك يزيد ضارع لخصومة
ثم من لدن حكيم كما يقال من جناب فلان لما في الكناية من المبالغة وافادة التعظيم البليغ، وهو إشارة إلى الوجوه الستة عشر الحاصلة من ضرب معاني الأحكام الأربعة في معاني التفصيل الأربعة وهذا وان احتاج إلى البسط والإيضاح لكن الجدوى فيه قليلة فعليك باستخراجه بنظرك الصائب. قوله:(صفة أخرى لكتاب أو خبر بعد خبر الخ) أي هو صفة للنكرة أو خبر ثان للمبتدأ الملفوظ أو المقدر على الوجهين أو هو معمول لأحد الفعلين على التنازع مع تعلقه بهما معنى ولذا قال تقرير لأحكامها وتفصيلها، وقوله على أكمل ما ينبغي أخذه من كون ذلك فعل الله الحكيم الخبير مع الجمع بين صيغتي المبالغة، ولا يحتاج إلى جعل الحكيم بمعنى المحكم كما قيل لأنه يكفي فيه أن يكون صائغها ذا حكمة بالغة، وقوله باعتبار ما ظهر أمر. وما خفي أخذه من أن الحكيم ما يفعل على وفق الحكمة والصواب، وهو أمر ظاهر، والخبير من له خبرة بما لا يطلع عليه غيره من الخفيات فهو لف ونشر، وجعله الزمخشري في النظم أيضاً من اللف والنشر على أن تقديره أحكم آياته حكيم، وفصلها خبير وله وجه وجيه لكن المصنف رحمه الله لم ينظر إليه، ومعنى كونه تقريراً أنه كالدليل المحقق له. قوله:(ألا تعبدوا الخ) ذكروا فيه أنه يجوز أن يكون متصلا بما قبله وحينئذ في أن وجهان أحدهما أن تكون مصدرية، وكذا أن استغفروا لأن أن المصدرية توصل بالأمر كما مرّ تحقيقه، وكذا توصل بالنهي فلا نافية، وهو منصوب أو ناهية وهو مجزوم، وهو على تقدير اللام ومحله
نصب أو جر على المذهبين وليس هذا مفعولاً له حتى يتكلم في شروطه وثانيهما أن تكون مفسرة لما في تفصيل الآيات من معنى القول دون حروفه، وقدره الزمخشري بأمرين أحدهما فصل، وقال لا تعبدوا والآخر أمر أن لا تعبدوا فحذف في الأوّل أن لأنه قدر صريح القول، ولم يحذفها في الثاني لأنه قدر ما في معناه قيل، وأن المفسرة في تقدير القول، ومعناه ولذا لا تأتي بعد صريحه، وإنما تأتي بعد ما هو في معناه ليكون قرينة على إرادته منها وبهذا سقط ما يتوهم من أنهم اشترطوا عدم صريح القول وتقديره في تقريرهم مناف له فتأمّل. قوله:(ويجورّ أن يكون كلاماً مبتدأ للإغراء الخ) هذا هو الوجه الثاني، ومعنى كونه مبتدأ أنه منقطع وغير متصل بما قبله اتصالاً لفظياً كما في الوجهين السابقين، وهذا على وجهين قصد الإغراء على التوحيد أو قصد التبرّي عن عبادة الغير لأنه في تأويل ترك عبادة غير الله فإن قدر ألزموا ترك عبادة غيره على أنه مفعول به فهو إغراء، وان قدر اتركوا ترك عبادة غيره فهو مفعول مطلق للتبرّي عن عبادة الغير، وفي الكشاف، ويجوز أن يكون كلاماً مبتدأ منقطعاً عما قبله على لسان النبيّ صلى الله عليه وسلم إغراء منه على اختصاص الله بالعبادة وبدل عليه قوله إنني لكم منه نذير وبشير كأنه قال ترك عبادة غير الله إنني لكم منه نذير كقوله تعالى:{فَضَرْبَ الرِّقَابِ}[سورة محمد، الآية: ٤] وقيل عليه أنّ في كلامه اضطرابا حيث دلّ أوّله على الوجه الأوّل، وآخره على الوجه الثاني، وقد وجه بأنّ مراده بقوله كقوله تعالى:{فَضَرْبَ الرِّقَابِ} [سررة محمد، الآية: ٤،