يصطفيها المرء لنفسه، ويدخرها مما ينفقه فإنه يفعل ذلك بأنفسها، ولذا قيل في الزوايا خبايا، وفي الرجال بقايا، وقوله أفضل ما يخرجه بخاء معجمة، وجيم كما في بعض النسخ، والحواشي والمراد ما ينفقه، ويصرفه لأنّ الخرج يستعمل بهذا المعنى، وفي بعضها يجرحه بجيم وحاء مهملة أي يكتسبه، وارتضى هذه بعضهم والأولى أظهر. قوله: (ويجورّ أن يكون مصدرا كالتقية الخ الأنه فعيل وفعيل يكون مصدراً، وقيل إنه اسم مصدو وهو بمعنى الابقاء أي ذوو إبقاء لأنفسهم بمعنى صيانتها عن سخط الله، ويؤيد المصدرية أنه قرىء بقية بزنة المرّة، وهو مصدر بقاء يبقيه كرماه يرميه بمعنى انتظره، وراقبه كما قاله الراغب رحمه الله تعالى وفي الحديث:" بقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم " أي انتظرناه وأما الذي من البقاء ضد الفناء ففعله بقي يبقى كرضي يرضى، والمعنى على هذه القراءة أصحاب مراقبة لخشية الله، وانتقامه. قوله:(ينهون عن الفساد في الأرض) الظاهر أن كان تامة، وأولو بقية فاعلها، وجملة ينهون صفته ومن القرون حال مقدمة عليه ومن تبعيضية، ومن قبلكم حال من القرون، والمعنى هلا وجد أولو بقية ناهون حال كونهم من قبلكم لا ناقصة، وخبرها ينهون لأنه يقتضي انفكاك النهي عن أولي البقية، وهو فاسد لأنهم لا يكونون إلا ناهين إلا أن يجعل من قبيل:
ولا ترى الفسب بها ينجحر
كذا قيل وقوله لأنهم كانوا كذلك أي ناهين عن الفساد يقتضي أنه جعلها ناقصة لا تامة
كما ذكره، وسيأتي ما فيه. قوله:(لكن قليلأ منهم أنجيناهم الخ) جعله سيبويه رحمه الله كقوله في سورة يونس: {فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ}[سورة يون! ، الآية: ٩٨] وقال السيرافي في شرحه لا يجوز فيه البدل وفي لو فعلت ذلك لكان أصلح لك وهذه الأشياء تجري مجرى الأمر وفعل الشرط، ولا يجوز في شيء من ذلك البدل لو قلت ليقم القوم إلا زيد لم يجز كان قام إلا زيد، وليس فيه الاستثناء الذي هو إخراج جزء من جملة هو منها. لأنّ القصد إلى قوم أطبقوا على الكفر، ولم يكن فيهم مؤمنون فقبح فعلهم، ثم ذكر قوما مؤمنين باينوا طريقتهم فمدحهم، ويجوز الرفع في قوم يونس على أن إلا بمعنى غير صفة، وكان الزجاج يجيز رفعه على البدل على لغة أهل الحجاز بتقدير فهلا كان قوم نبيّ آمنوا
إلا قوم يونس عليه الصلاة والسلام وعلى لغة تميم، وان لم يكن من جنسه، ولعله جوّزه لأنّ المعنى ما آمنت قرية إلا قوم يونس عليه الصلاة والسلام، ولما كان التحضيض إذا دخل على ماض مشتملاً على التنديم، والنفي كان له اعتباران التحضيض والنفي فإن اعتبر التحضيض لا يكون الاستثناء متصلاً بل منقطعا لأنّ المتصل يسلب ما للمستثنى منه عن المستثنى أو يثبت له ما ليس له ففي جاءني القوم إلا زيدا المعنى أنه ما جاءني، وفي ما جاءني أحد إلا زيدا المعنى أنه جاءني، والتحضيض معناه لم ما نهوا ولا يجوز أن يقال إلا قليلاً فإنهم لا يقال لهم لم ما نهوا لفساد المعنى لأنّ القليل ناهون لأنّ معنى هذه كما في الآية الأخرى أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب هذا محصل كلامهم في منع الاتصال، وأورد عليه أنّ صحة السلب أو الاثبات بحسب اللفظ لازم في الخبر، وأما الطلب فيكون بحسب المعنى فإنك إذا قلت اضرب القوم إلا زيدا ليس المعنى على أنه ليس اضرب بل على أن القوم مأمور بضربهم إلا زيدا فإنه غير مأمور به فكذا هنا يجوز أن يقال أولو بقية محضوضون على النهي إلا قليلا فإنهم ليسوا محضوضين عليه لأنهم نهوا فالاستثناء متصل قطعا كما ذهب إليه بعض السلف فإن اعتبر معنى النفي كان متصلا وهو ظاهر لأنه يفيد أنّ القليل الناجين ناهون، وحينئذ يجورّ فيه الرفع على البدل، وهو الأفصح، والنصب على الاستثناء، وقد يدفع ما أورده با! مقتضى الاستثناء أنهم غير محضوضين، وذلك إما لكونهم نهوا أو لكونهم لا يحضون عليه لعدم توقعه منهم فأما أن يكونوا جعلوا احتمال الفساد فساداً أو ادعوا أنه هو المفهوم من السياق، ثم إن المدقق قال إن تقدير الزمخشري يشعر بأنّ ينهون خبر كان، ومن القرون خبر آخر أو حال قدمت لأنّ تحضيض أولي البقية على النهي على ذلك التقدير حتى لو جعل صفة ومن القرون خبراً كان المعنى على تنديم أولي القرون على أن لم يكن فيهم أولو بقية ناهون وإذا جعل خبراً لا يكون معنى الاستثناء ما كان من القرون أولو بقية إلا قليلا بل المعنى ما كان منهم أولو