بقية ناهين إلا قليلا فإنهم نهوا، وهو فاسد والانقطاع على ما آثره أيضاً يفسد لما يلزمه من أن يكون أولو البقية غير ناهين لأن في التحضيض، والتنديم دلالة على نفيه عنهم فالوجه أن يؤوّل بأنّ المقصود من ذكر الاسم التمهيد للخبر فكأنه قيل لولا كان من القرون من قبلكم ناهون إلا قليلاً وفي كلامه إشارة إلى أنه لا يختلف نفي الناهين، وأولو البقية، وإنما عدل عن هذا مبالغة لأنّ أصحاب فضلهم، وبقاياهم إذا حضضوا على النهي، وندموا على تركه فهم أولى بالتحضيض، والتنديم، وفيه دلالة على أنّ أولي البقية لا يكونون إلا ناهين فإذا انتفى اللازم انتفى الملزوم فهو كقولك:
ولا ترى الضبّ بها ينجحر
وقولك: ما كان شجعانهم يحمون الحقائق في الذمّ تريد أنه لا شجاع ولا حماية وهذا
هو الوجه الكريم الذي توجه إليه نظر الحكيم وهو المطابق لبلاغة القرآن العظيم اهـ ومن هذا
عرفت وجه جعل كان ناقصة لا تامّة لأنه ليس التحضيض على وجودهم فيهم، وليس المنفيّ ذلك أيضا بل هو على النهي فإن قلت هو صفة، والتحضيض والنفي متوجه إليها فيكون مطابقا للمرام فقد زدت في الطنبور نغمة من غير طرب، ومثله نصب. قوله:(لكن قليلاً منهم أنجيناهم الخ (قدر الانجاء بعده لمقتضى قوله ممن أنجينا، وقدره الزمخشري نهوا لتلازمهما، ولا فرق بينهما وهو نظر إلى ما قبله، والمصنف لما بعده لظهوره في الانقطاع. قوله: (ولا يصح اتصاله الخ الفساد المعنى كما سمعته مع ماله وما عليه، وقوله إلا إذا جعل استثناء من النفي قيل المعنى ما وجد منهم أولو بقية ينهون إلا قليلا ممن أنجيناهم، وهم أتباع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أو ما كانوا ينهون إلا قليلاً منهم والثاني فاسد، وقد أوّله في الشكف بما مرّ، وحمل كان على التامة مغن عن هذه التكلفات، ومصحح للمراد اهـ، وقد عرفت أنه لا يسمن ولا يغني من جوع، وأنه ناشىء من قلة التدبر ومن بيانية أو تبعيضية. قوله: (ما أنعموا فيه من الشهوات الخ (أي ما صاروا منعمين فيه لأنّ حقيقة الترف التنعم، وتفسيره بطغوا فيه من أترفته النعم إذا أطغته ففي إما سببية أو ظرفية مجازية خلاف المشهور وان صح هنا لكن الأوّل أولى، وأشمل وجعل اتباعه كناية عن الاهتمام به، وترك غيره لأنه دأب التابع للأمر. قوله: (وكانوا مجرمين كافرين) فسره به لأن الكفر أعظم الإجرام، ولأنه الذي يحصل به الفائدة مع ما قبله، وفشو الظلم شيوعه مأخوذ من إسناد الظلم إلى الجميع، واتباع الهوى هو اتباع ما أترفوا فيه، وترك النهي عن المنكرات مأخوذ من مقابلتهم للناهين، والكفر من الأجرام لتفسيره به. قوله:(واتبع معطوف على مضمر دل عليه الكلام إذ المعنى فلم ينهوا عن الفساد واتبع الخ (المضمر بمعنى المقدر، وهو ما أشار إليه بقوله لم ينهوا فعليه يكون بيانا لحال من ترك النهي بعد ذكر الناهين، وعدل عن تقديره نهوا كما في الكشاف، وان لم يرد عليه ما ورد عليه كما توهم لأنه نثأ من جعله خبرا على الانقطاع، والمنصف رحمه الله لم يقدره بل قدر أنجيناهم كما سمعته، ولا وجه لما قيل إنه على تقديره لا يرتبط الكلام بما قبله، ولذا عدل عنه لأنه على تقديره المعنى لكن قليلا نهوا عنه فهم نهوا، وغيرهم انهمك في هواه، وترك ما سواه فلذا عذبوا وأفي ارتباط أحسن من هذا، أو إنما اختاره لأنه أكثر فائدة وأحسن مقابلة، والذي ورد على الكشاف أنه قدر نهوا خبر لكن فلا يصح عطفه عليه لخلوّه من الربط ودفع بما فصل في شروحه، وليس لنا به حاجة لترك المصنف رحمه الله له. قوله:) وكانوا مجرمين عطف على
على اتبع الخ) مع المغايرة بينهما، وليس العطف تفسيريا والمعنى، وكانوا مجرمين بذلك الاتباع كما في الكشاف لتكلفه، ولذا ترك عطفه على أترفوا المذكور فيه، وجعله اعتراضاً بناء على أنه يكون في آخر الكلام عند أهل المعاني. قوله:) وقرىء وأتبع الخ) هي قراءة أبي عمرو رحمه الله في رواية وأبي جعفر أي بضم الهمزة المقطوعة وسكون التاء وكسر الباء على البناء للمفعول من الأتباع، ولا بد حينئذ من تقدير مضاف أي أتبعوا جزاء ما أترفوا فيه وما موصولة بمعنى الذي وهو الظاهر لعود الضمير في فيه إليه، ويجوز أن تكون مصدربة أي جزاء أترافهم فالضمير للظلم المعلوم منه، وقوله فتكون الواو للحال إذا جعل حالاً يكون المعنى إلا قليلاً أنجيناهم، وقد هلك سائرهم، وقد كانوا مجرمين، ولا يحسن جعله