ثالثة منهم القاضي أبو بكر إلى تصديق المقالتين وتصحيح الحديثين بأن الإسراء كان مرتين إحداهما في نومه قبل النبوة بروحه توطئة وتيسيراً لما بعده مما يضعف عنه قوى البشر فيما شاهده بعدها وعاناه بجسده، وحكي هذا القول عن طائفة من العلماء، وبه جمع بين ما وقع في طرق الحديث من الاختلاف على ما فصله، وحكى المأزري في شرح مسلم قولاً رابعا جمع به بين القولين فقال: كان الإسراء بجسده في اليقظة إلى بيت المقدس فكانت رؤية عين ثم أسري بروحه جمحيه منه إلى ما فوقه فكانت رؤيا قلب ولذا شنع الكفار عليه قوله عليه الصلاة والسلام: أتيت بيت المقدس في ليلتي هذه ولم يشنعوا عليه قوله: فيما سوى ذلك وكلام المصنف رحمه الله فيه إيهام لهذا القول، قيل والمراد بالمنام هنا ما يشمل ما بين حالي النائم واليقظان كما مر في الرواية الأولى ولا حاجة إليه لأن تلك الحالة كانت عند مجيء جبريل عليه الصلاة والسلام بالبراق لا وقت العروج فتأمل.
قوله:(بروحه أو بجسده (الظاهر أنه لف ونشر فقوله: بروحه راجع للمنام وبجسده لليقظة والمراد روحه فقط وكون المراد بروحه أو بجسده في اليقظة خلاف الظاهر. قوله: (ولذلك تعجب قريش واستحالوه) لأن النائم قد يرى نفسه في السماء ويذهب من المشرق إلى المغرب ولا يستبعده أحد، وأمّا كون العروج بروحه يقظة خارقا للعادة ومحلاً للتعجب أيضا والجواب بأنه غير منكر كالانسلاخ الذي ذهب إليه الصوفية والحكماء، فأمر لا تعرفه العرب ولم يذهب إليه أحد من السلف. قوله: (والاستحالة مدفوعة بما ثبت في الهندسة الخ (دليل عقلي على صحته ورد لاستحالته، والثانية في اصطلاح المتجمعين جزء من ستين جزءاً من الدقيقة والدقيقة جزء من ستين جزءاً من الدرجة وهي جزء من خمسة عشر جزءا من الساعة المقدر بها الليل والنهار، قال أستاذ عصرنا الفيلسوف في العلوم الرياضة: المولى عبد الوهاب هذا غير سديد من وجوه، منها أن علم الهندسة ليس مظنة للبحث عما ذكر ولو قال بالهندسة لهان الأمر لأن براهين الهيئة تعلم من الهندسة كما هو معروف عند من له معرفة بتلك الفنون، ومنها أن ما بين طرفي قرص الشمس وهو قطرها خمسة ونصف بما يكون به قطر الأرض واحداً على ما بين في مباحث الأبعاد والإجرام من التذكرة وغيرها وأمّا ما كان مائة ونيفا وستين مرة فهو جرم الشمس بالنسبة إلى كرة الأرض إذ بين ثمّ إن نسبة كرة الأرض كنسبة مائة وستة وستين وربع وثمن هو الشمس إلى الواحد بناء على ما أثبتوه ثمة من أنّ نسبة كرة إلى كرة كنسبة مكعب قطر الأولى إلى مكعب قطر الأخرى، ومنها أن قطر الشمس الذي هو كالواقع في مأخذ حركة مركزها بالحركة الأولى يصل طرفه المتأخر إلى موضع طرفه المتقدم وهو المراد بوصول طرفها الأسفل إلى موضع طرفها الأعلى على أن الطرف المتقدم أعلى من الطرف المتأخر، وكذا المتأخر أعلى من الطرف المتقدم في الارتفاعات الشرقية والانحطاطات الشرقية في جميع ما يتعين فيه الشرق والغرب من الآفاق مع أن الطرف المتقدم أعلى من جميع جوانب الشمس والمتأخر أسفل جميع جوانبها عند طلوع مركزها في أفق الاستواء فلا غبار في ذلك الوصول لكن كون زمانه أقل من ثانية ممنوع بناء على ما بين في محله من أن قطر الشمس، وجد في أكثر أحوال بعدها مساويا في النظر لقطر القمر في بعده الأبعد وقد بين أيضا أنّ قطر القمر في بعده الأبعد إحدى وثلاثون دقيقة وثلث دقيقة فكيف يتصوّر أن يقطع مركز الشمس مقدار قطرها في أقل من ثانية فيقع فيه ذلك لوصول سواء كانت الثانية ثانية الدرجة أو الساعة أو اليوم إذ اللازم مما ذكر أن يكون زمان الوصول المذكور إحدى وثلاثين دقيقة من دقائق الدرجة أو دقيقتين من دقائق الساعة أو خمس ثوان من ثواني اليوم بالتقريب والذي يقطعه مركز الشمس في أقل من ثانية هو مقدار قطر الأرض على أن تكون الثانية ثانية اليوم ولو اكتفى بذلك القدر
من سرعة حركته ولم يلتزم بيان ما هو أزيد منه لتم إثبات المقصود وهو جواز أن يقطع جسم مسافة بعيدة في زمان قليل أو يحزر تحريراً تاما فليتأمل هذا مرة بعد أخرى فإن دقائقه لا تصل إلى درجة منها بنظرة أولى ولا ثانية وهذا ملخص ما ذكره فمن أراده فعليه بالنظر فيه وهو مما لا شبهة في وروده إلا أن ما أورده أوّلا أمر سهل وقد