قوله:(وفائدة هذا الحذف الخ) أمّا الإيجاز فلأنه بعد قصد التوكيد للتقويه لو قيل: تملكون تملكون لكان أطنابا وتكرارا بحسب الظاهر، وأمّا المبالغة فقيل إنها من تكرير الإسناد، وقيل: إنها من تكرير الشرط فإنها تقتضي تكرّر ترتب الجزاء عليه فتأمل. قوله:(والدلالة على الاختصاص) تبع فيه الزمخشريّ وقد قيل عليه إنه وإن كان في صورة المبتدأ والخبر لكنه إنما يفيده لو كان معنى كذلك حتى يقدر فيه التقديم والتأخير المفيد لما ذكر
وهذا فاعل لفعل مقدر فكما لا يفيد ذلك إذا ذكر لا يفيده بعد حذفه، وأجيب بأن أنتم بعينه ضمير تملكون المؤخر، فهو في المعنى فاعل مقدم وتقديم الفاعل المعنوي يفيد الاختصاص إذا ناسب المقام، قيل: فأفاد ترتب الإمساك على تملك الخزائن منهم دون غيرهم وهو الله، وقيل عليه: أن الظاهر أنّ المعنى ترتب الإمساك على اختصاص التملك بالمخاطبين حتى لو اشترك غيرهم فيه لم يوجد منهم الإمساك لما ذكر، يعني أنه قصر إفراد لا قلب، ولا وجه له فإن ما ذكره القائل أبلغ وأنسب لأنهم إذا أمسكوا حين تفردهم بملكها فمع الاشتراك بالطريق الأولى. قوله: (لبخلتم (يعني أن الإمساك كناية عن البخل سواء كان لازما أو متعذيا حذف مفعوله أو نزل منزلة اللازم، وقال في الكشاف: إنه لا يقدر له مفعول لأنه بمعنى بخلتم فمنهم من حمله على التنزيل منزلة اللازم، ومنهم من جوّز فيه التضمين، والظاهر أنه أراد أنه مجاز فيه ومنه تعلم فائدة وهو أنّ المتعذي إذا جعل مجازا عن معنى فعل لازم يجوز أن يكون لازما مثله وهذا مما ينبغي التنبه له، وقوله: مخافة النفاد بالإنفاق إشارة إلى أن الإنفاق بمعناه المعروف وهو صرف المال وفي الكلام مقدر أي نفاده أو عاقبته أو هو مجاز عن لازمه، وقال الراغب: إن الإنفاق بمعنى الافتقار يقال: أنفق فلان إذا افتقر فهو كالإملاق في الآية الأخرى فلا يحتاج إلى تقدير، وهو قول أبي عبيدة، وقيل إنه مراد المصنف لا التقدير وهو خلاف ظاهر العبارة. قوله: (١ ذ لا أحد إلا ويختار الخ (هذا إشارة إلى توجيه معنى الآية إذ الخطاب فيها عام فيقتضي أنّ كل واحد من الناس بخيل، كما يدلّ عليه ما بعده فأشار أوّلاً إلى إجرائه على ظاهره، وأنه بالنسبة إلى الجواد الحقيقي والفياض المطلق فإنه إما ممسك أو منفق والثاني لا يكون إلا لغرض للعاقل إمّا دنيوقي، كعوض! مالي أو معنوفي، كثناء جميل أو خدمة واستمتاع كما في النفقة على الأهل، وما كان لعوض ماليّ، كان مبادلة لا مباذلة أو هو بالنظر إلى الأغلب وتنزيل غيره منزلة العدم كما قيل:
عذنا في زماننا عن حديث المكارم ...
من كفى الناس شرّه فهوفي جودحاتم ...
ولا وجه لما قيل عليه: إنّ تعليله يدل على أن مطلق الإمساك من سجية الإنسان لا على
أن الإمساك خشية الإنفاق كذلك إذ الإنفاق ضدّ الإمساك فمن كان طبعه التخلق بصفة كان يكره ضدها ويخشاه ولا معنى لما قيل في دفعه: أن المطلوب ليس إلا بترتب الإمساك خشية الإنفاق على تملكهم خزائن الله لا ما ذكره وفي دلالة هذا عليه كلام. قوله: (هي العصا الخ (القول الأوّل لابن عباس رضي الله عنهما والثاني للحسن وفي بعض التفاسير أنها كما في التوراة
العصائم الدم ثم الضفادع ثم القمل ثم موت البهائم ثم برد كنار أنزله الله مع نار مضرمة أهلكت ما مرت به من نبات وحيوان ثم جراد ثم ظلمة ثم موت عم كبار الآدميين وجميع الحيوان وأنه لم يذكر اليد فيها لأنها لا ضرر فيها عليهم فإن قلت الثلاثة الأخيرة فيما نقله المصنف أوّلاً: ليست مما أوتيه موسى عليه الصلاة والسلام بعد هلاك فرعون، وهي انفجار الماء من الحجر ونتق الطور وانفلاق البحر، وقوله: ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض! يقتضي أن الآيات التسع المشار إليها في حياته حين تجاوزه فالرواية الصحيحة هي الثانية، فلا ينبغي تأخيرها وتمريضها كما فعله المصنف إذ لا إشكال فيها كما توهم، قلت: أجابوا عنه بأنه ليس في هذه الآية دلالة على أن الكل لفرعون، وأمّا قوله في آية أخرى في تسع آيات إلى فرعون وقومه، فيجوز أن يكون